الجمعة 7 يونيو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

موزة الفلاسي تستحضر تجليات الفقد الملهم!

موزة الفلاسي تستحضر تجليات الفقد الملهم!
9 ابريل 2023 02:27

 نوف الموسى (دبي)

لا تزال حالة الفقد الإنساني، تمثل أحد أكبر الأسئلة الوجودية، كونها تحمل بين طياتها، تشكلات مختلفة لطبيعة التكوين البشري، بمجرد أن يفقد الإنسان شخصاً عزيزاً، فهو يكاد بشكل ما يفقد جزءاً حيّاً من ذاته، ويكاد الإنسان لا يستطيع استشعار هذا الفقد الداخلي، لأنه يبقى متصلاً بتلك القطعة المأخوذة من ذاكرته، محاولاً قدر الإمكان التمسك بها، وتحويلها إلى تعابير مادية وروحية.
في أحيان كثيرة قد يتأزم بعض الأشخاص، كونهم لا يستطيعون التعبير عن هذه الحالة الشعورية، في مسارات حياتية مرئية أو شفاهية، ويستشعرون وكأنهم عالقون في مكان ما، ما بين قبول الفقد واستمرار التجربة الحياتية، وبين الرغبة الجامحة في التمسك بذكرى حضور لم يعد موجوداً، وجميعها محاولات لفهم الإنسان لنفسه بعد أن يمر بإدراك جديد لحالة من التغير الداخلي، قد يرى البعض أنها تهديهم نمواً وتطوراً، وفي المقابل يصنفها آخرون على أنها عطب أو تشويه قد يلزم شعورهم طوال حياتهم. 

أسئلة جوهرية
في عمق ذلك الصراع الملهم، جاءت الفنانة الشابة موزة الفلاسي، بتجربتها الشخصية عندما توفيت والدتها، رحمها الله، في عام 2020، لتتخذ من موضوع «الحزن» و«التشافي»، بُعداً فنياً للدراسة والتأمل والبحث، من خلال طرح أسئلة جوهرية على نفسها. وفي حوار مع «الاتحاد»، قالت موزة الفلاسي: «أتساءل كيف لإسقاط مشاعر الحزن والفقد على المواد، ذات العلاقة الحسية والشعورية مع الأشخاص العزيزين علينا، الذين رحلوا، إلى رحمة الله وغفرانه، مثل بذور شجرة النخلة التي استخدمها هنا في أعمالي، وهي دلالة رمزية لوالدتي، وعلاقتها بشجرة النخيل، إلى أي مدى بإمكانها أن تلهمني ذكرى تلك البذور، وتجعلني متماسكة. فعلياً إنني أتساءل ما الذي يمكن أن يحدث على المدى البعيد، أمام تلك الهشاشة القابلة للكسر في داخلنا كبشر! وفي الحقيقة لا أملك الإجابة على ذلك، ولكنها محاولة لفهم التجربة، لتحقيق التوازن، وربما قد يراها البعض محاولة للتشافي والتحرر من الحزن». 
وقد اختارت الفنانة الشابة موزة الفلاسي، مواد محلية متصلة بها، للتعبير عن ذات الفعل الفني، وهي بذور الرطب، مبينةً أنه خلال بحثها وجدت أنه في مختلف الطقوس الدينية والمجتمعية، تحضر التعابير الجمالية كطريقة لبيان استمرار استحضار ذكرى الشخص المتوفى، فمثلاً في باكستان، يجتمع الناس في بيت المتوفى، حيث يمسك شخص ببذرة نخيل يدعي فيها لشخص المتوفى ومن ثم يعطيها لشخص قريب منه، وتستمر العملية دواليك، وتتحرك البذور في البيت، وقد تتحول البذور إلى مسبحة كذلك، مشكلةً ما يعتقد البعض أنه قوة شفائية لأهل المتوفى. وتابعت: بالنسبة لي، فإن بذور الرطب، ترجع لوالدتي، التي أحضرت معها تلك البذور من بيت أهلها، بعد أن تزوجت بوالدي، وقررت أن تزرعها في بيتها، هي بشكل ما، أحضرت عائلتها، وقد تكون احتاجت هذا الامتداد والتواصل معهم، فالأرض هي الأهل، وأخذت البذرة ذلك القدر من الاهتمام. وفي عملي الفني يلاحظ المشاهد كيف أن البذور تكتسي مبالغة في العدد والحجم، دلالة الوفرة والكثرة الشعورية، وكيف أن البذرة بدأت تكبر وتتجذر. 
منحوتات فنية
 وإلى جانب الأعمال الفوتوغرافية، التي شاركت بها الفنانة الشابة موزة الفلاسي، ضمن معرض سكة الفني لعام 2023، قدمت منحوتات فنية، تطرح نفس الموضوع الرئيسي لأعمالها حول حالات الحزن والفقد، وهنا تستكمل سؤالها، وهو إلى أي مدى تستطيع المادة التي تم إسقاط مشاعر الحزن والفقد عليها، الصمود والبقاء والتحمل؟ وهل هي بمثابة فعل صحي للإنسان، فمن خلال بحثها ودراستها للعصر البرونزي، توصلت إلى أن هناك بذوراً في المقابر لها تاريخها الممتد في جزيرة صير بني ياس، وربطتها بمشروعها الفني، موضحة أن اللون «التركوازي»، الموجود في عملها الفني، قادم من فكرة تأكسد المعدن، مضيفةً أنها في عملها اعتمدت استخدام الورق بدل المعدن، وأرادت بيان أن الطبقة الزرقاء تحمي المعدن لفترة من فكرة التكسر، لإظهار فعل الصراع بين المظهر والخارج. والسؤال ماذا بعد ذلك: هل فعلاً تستطيع المادة التي تسقط عليها مشاعر الفقد أن تلهم الإنسان على المدى البعيد، وخاصة أن المبدع هش وقابل للكسر في رهافة مشاعره.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©