الخميس 11 ديسمبر 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد عبدالمعطي حجازي.. حارس المدينة

أحمد عبدالمعطي حجازي.. حارس المدينة
29 يونيو 2025 01:36

علي عبدالرحمن (القاهرة)

في أعماق الزمن، حيث يتداخل الصوت مع الصمت، ويُحاك الأثر بين هدوء اللحظة وهمس الذكرى، ولد أحمد عبدالمعطي حجازي، في التاسع عشر من يونيو 1935، بين أزقة قرية تلا بمحافظة المنوفية، في ريف مصر الذي يئن تحت وطأة التاريخ والسياسة والذاكرة، حيث خطا الفلاحون بخطى متعبة، ووسط أزيز السياسة المُتقلّبة، انطلق شاعرٌ اختار من الشعر ساحته، ومن الشعر معركته التي لا تهدأ، معركة يغذيها القلق الوجودي، وتُشعلها الدهشة المستمرة.
درس أحمد عبدالمعطي حجازي المرحلة الابتدائية في مسقط رأسه، ثم شرع في رحلته الأدبية في مدرسة المعلمين بشبين الكوم، حيث بدأ يصقل أدواته الشعرية والفكرية بين عامي 1948 و1955. وتوسعت آفاقه لاحقاً في جامعة السوربون الجديدة بباريس، حيث نال ليسانس علم الاجتماع عام 1978، ثم شهادة الدراسات المعمقة في الأدب العربي عام 1980.

هذه المسيرة العلمية أضافت عمقاً فلسفياً إلى تجربته الشعرية، وجعلته يتعامل مع الكلمة كظاهرة ثقافية وجودية. وفي عام 1956، بدأ حجازي رحلته الصحفية محرراً في مجلة «صباح الخير»، ومن ثم توجه إلى دمشق، ليعمل في الصحافة هناك لمدة ستة أشهر عام 1959، وعاد إلى مصر، حيث شغل منصب مدير التحرير في مجلة «روز اليوسف» عام 1969، ثم كاتباً في جريدة «الأهرام» ورئيس تحرير مجلة «إبداع» في 1990. 
صدر ديوانه الأول «مدينة بلا قلب» عام 1959، معلناً عن صوت صارخ لا يساوم، صوت يتحدى العدم ويفضح تجريف الذاكرة، وصفها أحد النقاد «كأنها من نار تلسع، لا لتسخين القلوب، بل لإيقاظها»، كما أن تجربة حجازي مع الشعر كانت قدراً لا مهرب منه، إذ يقول: «لم أغب عن الشعر، ولم يغب عني، الشعر فرض نفسه عليّ كقدر عميق وقاسٍ، كما أن المحبة قاسية كالموت، والشعر قاسٍ ورائع كالموت والحب معاً».
وفي خمسينيات القرن العشرين، خاض حجازي معركة فكرية مع عباس العقاد، الذي وصف شعره بـ «العبث النثري»، ورد حجازي بقصيدة هجاء، تتسم بالشجاعة والإصرار على التعبير عن رؤيته دون تراجع.

 المنفى والعودة
على منصة الشعر الحر، وقف حجازي إلى جانب صلاح عبدالصبور، كلاهما يجسد الحداثة، أحدهما يغوص في أعماق الذات، والآخر يفتح النوافذ على الواقع الجارح، ولم يكن التباين تنافساً، بل تلاقياً يتشكل بين إيقاع لا يهادن وبنية شعرية ترفض الزيف، كما أن القصيدة عند حجازي لم تكن استراحة، بل كانت معركة مستمرة، معركة لم تهدأ.
غادر المدينة، لكنه لم يغادرها في شعره، كانت حاضرة في شعره كشكل من أشكال الحنين والاشتياق، لكنها كانت أيضاً رمزاً للغربة، رمزاً لتشظي الواقع. المدينة في قصائده لم تكن مكاناً فقط، بل حالة وجودية، مزيج من الألم والتجربة، المكان الذي يحمل ذاكرة شعب وأملاً مفقوداً.
وفي نصوصه بعد العودة، حوار مستمر بين الذات والوطن، بين الحنين والخذلان، بين الحب والرفض، والشعر هنا لم يكن مجرد تعبير، بل كان فعلاً وجودياً يربط الفرد بتاريخ وطنه، يجمع بين التجربة الشخصية والذاكرة الجمعية، ليصوغ من الألم والفقد وعياً نقدياً.

الاغتراب الإنساني 
 المدينة كائن حي حين تغوص في نصوص حجازي، لا تجد المدينة كما تصورها العيون المعتادة، بل كياناً متحركاً يئن تحت وطأة أزمنة قاسية، والمدينة ليست مجرد خلفية، بل صديقة وصديقة قاسية، تحكي مأساتها في شفاه الحروف، وتعانق صمتها في بين الأسطر.
 في ظل التجريد اللغوي والفلسفي، تنمو الذات في شعر حجازي ككيان متخبط، غريب، حتى عن نفسه. الذات هنا ليست مركزاً ثابتاً، بل هي مرآة تتشظى أمام العالم الخارجي، كل قطعة منها تعكس جزءاً من الألم والحنين والانتظار. والشعر لديه حوار مع الذات المستحيلة، مع الآخر الغائب، مع الذاكرة التي تحاصر الحاضر، وتجربة الغربة التي يتحدث عنها ليست فقط جغرافية، بل هي حالة وجودية عميقة، تستدعي الاغتراب عن اللغة، الاغتراب عن الوطن، الاغتراب عن الذات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©