الخميس 11 ديسمبر 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نزار قبيلات يكتب: نشأة القصة القصيرة وانتشار الرواية

نزار قبيلات يكتب: نشأة القصة القصيرة وانتشار الرواية
18 أغسطس 2025 01:18

ثمة تمايز واضح في البعد البنائي وفي المكونات الحكائية بين أبرز شكلين نثريين عرفهما الإنسان منذ مطلع عصر الصحافة والطباعة وعصر التنوير عموماً، ألا وهما القصة والرواية، فقد كانت تبعات عصر التنوير هذا تزدهر في الساحة العربية، وذلك مع ازدهار تجارة القطن في مصر والكرز في لبنان، وما رافق ذلك من انفتاح وتبادل ثقافي على ضفتي البحر المتوسط، بالعودة إلى مسألة انتشار السّرد العربي الحديث (القصة والرواية) نجد أن هذين الشكلين السرديين لا يفترقان فقط في اختلاف المكونات الحكائية كالحدث والشخصيات والمكان والزمن، بل وفي الحكاية أيضاً، حيث يكمن هذا التمايز ويتجلّى بوضوح عبر التكنيك الذي يسمح للحدث، بوصفه أهم فاعل سردي، بأن يتعدد ويستطيل في الرواية، وكذا يسمح للشخصيات بأن تُمنح فرصاً أكثر لتعود وتتبدل وتغير موقعها في الخطاطة السردية كما أسماها «غريس»، ففي الرواية يحق للمكان أن يتقلّب ولا يبقى على حاله وكأنّه منظر جامد على خشبة مسرح، في الرواية كما ذكرنا مدى شاسعٌ وتوقعات كثيرة تسمح للحكاية بأن تتغير لدرجة قلب التوقعات وتعدد الحبكات التي قد تصبح لانهائية.
فقد قلنا في مرة سابقة إن اكتشاف الكهرباء في المنطقة زاد من ساعات القراءة عند الإنسان العربي، وهو الذي كان يقضي جلّ نهاره في الحقل أو البحر أو النهر، تبعاً لواقع الحياة وسبلها وقتذاك، فمع عصر التنوير تمددت ساعات القراءة وصار هناك مساحة زمنية تشبه المساحة البنائية للقصة التي طبعت في الصحف، وحققت مبدئياً توسعاً أكثر من الرواية التي انتظرت المطبعة طويلاً لتمنحها حق النشر والتوزيع، لكنها لم تدم طويلاً في منصة الشهرة، فقد ظلت القصة كما بدأت ومضة لا يمكن لها أن تستطيل لأنها تعتمد على إدهاش القارئ وكسر توقعه بصورة خاطفة، فهي تشبه شقيقتها السردية الأخرى، ألا وهي المقالة الأدبية، ففن المقال يتقارب الخطاب فيه مع خطاب القصة حتى أسميت بعض المقالات بالقصص الصحفية، لكن المقالة وبرأيي الخاص تبقى علنية المكاشفة في خطابها وإن خالطها المجاز، فالمقالة ترنو إلى هدف تريد تغييره، في حين القصة تلقي الضوء وتحبس الأنفاس وتدهش، ربما دون أن تَتطلب أو تفرض شيئاً واضحاً.
لذا كان انتشار القصة مؤقتاً، إلى أن طغت الرواية التي فرضت على الأدباء إيجاد تفاصيل متوقعة وغير متوقعة وفرضت صبراً طويلاً في الوصف، وفي التوازن بين الجهات الأربع التي يقف عليها الحيز السردي، في حين كانت القصة تكتفي بالتفصيل العادي وبتلك اللّسعة الحادة التي تترك أثراً لا يطلب من القارئ أن ينحاز إلى واقعها القصصي، وذلك على النقيض من الرواية التي تتطلب جهداً ونفساً طويلين، وكذا تفاصيل كثيرة بحاجة إلى شعرنة وتمييز وقلب في الحقائق والموازين، لكن يستحسنها القارئ.
* أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©