الإثنين 17 يونيو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

التلّي.. «دانتيل» الحرف

مشهد من ملامح التراث (الصور من المصدر)
21 مايو 2021 01:50

نسرين درزي (أبوظبي)  

عند الحديث عن التلّي الذي يعتبر من أعرق فنون التطریز في الإمارات، أول ما يتبادر إلى الذهن الخيوط البراّقة، وكانت سابقاً فضية اللون قبل أن يدخل عليها الأسود والأحمر والأخضر والبنفسجي.. إلا أن هذه الحرفة التقليدية، الأشبه بـ«الدانتيل» التراثي، تقوم بالأصل على «الخوصة» المعدنیة، وتُنسج على أداة تسمى «كاجوجة» لطالما شغلت النسوة، وهي أشبه بوسادة على قاعدة حدیدیة تُثبّت عليها الخیوط.
صناعة التلّي بعراقتها الممتدة إلى زمن الأولين تُعرف كمصدر للرزق، حرفة أصيلة تتوارثها الأجيال وتأتي في مقدّمة المشغولات اليدوية التي رافقت المرأة الإماراتية على مر العصور. ومن العادات المتعلّقة بمشهدية التلّي حتى اليوم، جلوس النساء أثناء ممارسة هذه الصناعة على الأرض. 
وتشهد خيوط التلّي التي ما تزال تستخدم لتزیین الملابس بالطريقة التقليدية، حضوراً عصرياً لافتاً مع إدراجها ضمن التصاميم الحديثة التي تشمل الحقائب والأحذية وأدوات الزينة.

حرفيات
عن الحفاظ على فنون التلّي وتطويرها، تحدثت لـ «الاتحاد» ريف الخاجة مدير مشروع الغدير للحرف (أحد مشاريع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي)، لافتة إلى أهميتها في الموروث المحلي. وذكرت أن هذه الحرفة التقليدية باتت من الصناعات المعاصرة، بحيث تم دمج خيوطها مع السلع الجلدية والإكسسوارات والقرطاسية وقطع الديكور، مثل الشموع والمفارش وسواها من المنتجات اليومية لمنعها من الاندثار.
وقالت: دورنا حماية أدوات التراث عموماً المادية والمعنوية، بحيث نحرص على استقطاب الحرفيات من كبيرات السن، وكذلك جذب طالبات الجامعات المتطوعات اللاتي يسهمن في وضع لمساتهن بألوان جاذبة وملفتة. 
وأضافت الخاجة أن مؤسسة الغدير، التي تتعاون مع أكثر من 200 حرفية من مختلف أنحاء الدولة، كان لها حضور فاعل في عدد من الفعاليات المحلية البارزة، بينها معرض فن أبوظبي، ومشاركة مع الفنانة عزّة القبيسي في قطعة تدمج كل الحرف اليدوية بما فيها التلّي.

شغف وأسرار
وذكرت طماعة خليفة الظاهري من الحرفيات في مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، أنها شغوفة منذ الصغر بتعلّم الحرف التقليدية التي ما زالت أسرارها تشغلها حتى اليوم. ومع تعلّقها بفنون التلّي، تعتبر أنه من الضروري جذب الجيل الجديد إلى الموروث التقليدي.

وقالت: كما تعلّمنا هذه الحرفة وسواها من أمهاتنا، لا بد أن ننقل هذه المعارف إلى بناتنا لممارستها باهتمام وتوريثها في مراحل لاحقة إلى بناتهن، كصورة مشرّفة عن حرف إماراتية عاشت منذ القدم ولن تندثر. 

بكرات ودحارٍ
بالإضاءة على آلية نسج التلّي من أدوات بسيطة تنتج فناً يضاهي ماكينات الحياكة، فهي تتم بواسطة 6 بكرات من خيوط معروفة بـ«الهدوب» تُجمع أطرافها بعقدة مشتركة تثبّت بإبرة صغيرة. وما إن يتم تجهيز «الكاجوجة» حتى تبدأ عملية لف الخيوط على «البكرة»، ومن ثم يتم صفها حسب نوع «البادلة»، أي الشكل المراد صنعه، ويستخدم في نسج «التلّي» مجموعة من «الدحاري» بما يتناسب مع عدد الخيوط المستعملة. ويمكن نسج العديد من الشرائط بجانب بعضها بعضاً لابتكار تصاميم فنية. 
ومن هنا تبدأ خطوات هذه الصناعة اليدوية التقليدية، التي تعتمد في ألوانها المبهجة على تصاميم جذّابة، انتشرت منذ القدم في المجتمع المحلي. وكانت الزينة الأكثر إبهاراً لملابس النساء، من فساتين الزفاف والأثواب التراثية، وغالباً ما تستخدم في تطريز الأكمام والياقات وأطراف السراويل.

«خدمة التلّي»
التلّي شريط مطرّز منسوج من خيوط قطنية ممزوجة بشرائط لمّاعة، فضية أو ذهبية، وتحرص كبيرات السن على نقل معارفها جيلاً بعد جيل، خشية اندثارها. وكان يطلق على جلساتها قديماً مصطلح «خدمة التلّي»، حيث ينصرف النسوة إلى تجهيزها بانتظار عودة الرجال من رحلات الغوص التي تستغرق أحياناً 4 أشهر أو أكثر، وهي المدة الزمنية نفسها لإنجاز التلّي.
ومنذ القدم، كانت الخيوط الفضية الخالصة من الخوص تُستخدم كمكوّن أساسي في نسج التلّي لصناعة أشكال مطرّزة تمزج بين خيوط قطنية وملوّنة، تمتد على طول القطعة المنسوجة. وفي عصرنا الحالي، تُستخدم الخيوط الصناعية بدلاً من الخالصة، ويُعد الأسود والأحمر والأبيض، أكثر الألوان استخداماً، بالإضافة إلى الفضي.

عمليات حسابية
فنون صناعة التلّي تدخل فيها عمليات حسابية تتطلب دراية عالية. وبالرغم من هجمة ماكينات الحياكة، إلا أن المشغولات اليدوية تتفرّد بخصائص تفتقدها الآلات، ومنها الاحترافية وجودة النسيج، التي تأتي بالتوازي مع الخبرة.

«بو خوصتين»
أسلوب نسيج عبارة عن حبل مزدوج يُشكل شريطاً عريضاً من الخيوط الفضية، حيث تُستخدم اثنتان من «الدحاري» لصناعته.

منسوجات تراثية
خيوط «التلّي» تدخل في تزيين الأزياء الشعبية والكثير من المنسوجات التراثية، وتضاعف جماليات الأثواب والأحزمة بالألوان البرّاقة.

تطريزات
حرفة «التلّي» المتوارثة تشبه إلى حد بعيد صناعة «الدانتيل»، حيث تُنسج من خلال لفّ خيوط مختلفة مع بعضها لصناعة شريط طويل بتصاميم وتطريزات متنوعة.

«فنخ البطيخ»
يُعد «فنخ البطيخ» من أشكال «التلّي» الشائعة، التي تحتوي على أشكال متوازية مائلة غالباً ما تكون أسفل التصميم الذي يتوسط القطعة المنسوجة.. ويعود الأسلوب المستخدم هنا إلى ما يسمى بالمصطلح المحلي«ساير ياي» أي ذهاب وعودة، حيث يُمرَّر الخيط الفضي المنفرد عدة مرات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©