عدد اليوم
قبل أن ترفض حاول أن تفهم، فكّر، أنسن ذاتك، تدبّر فيما حولك، امنح عقلك فرصة ليعمل، يتأنى، يتأمل، يتذكر، ويتساءل ثم بادر بالإجابة المشوبةِ بشيء من الحذر، إن كنتَ في شكٍ مما ستطرح من رأي قد يثير الآخر، أو لا يعجبه، أو قد يستفزه، دوماً امنح الآخر فرصة للدهشة، دعهُ في حالة من التفكير، ولا تلقِ بكلّ ما في جعبتك مما تعرف، اترك شيئاً منك، من معرفتك للحظة أخرى قد تحتاجه فيها.
التهور ليس سمة رئيسة في البشر، لكن بعضهم متهورون، في القول وفي الفعل، لا يعرفون قيمة الصبر، ولا سمة التأني فهذه تتصل بالثقافة الذاتية، وبالخبرة الحياتية، وبضبط النفس، وفن التعامل مع الآخرين، ذاك الفن الذي يجعلك إن استوعبته بشكل إنسانيٍ شمولي شخصاً آخر أنيقاً، لافتاً، ومميزاً في حديثك وفي سلوكك.
في زمننا هذا بعض الأسر تعاني من رعونة الأبناء، وتسرعهم، يلومونهم، ولا يلومون أنفسهم، فالوالدان لا يتساءلان كيف لشاب أو شابة من أبنائهم يدخل المنزل فلا يلقي التحية، ولا ينطقُ بالسلام احتراماً وتقديراً لمن يجلس في المكان، ربما لم يتعلم في البيت أو في المدرسة ذاك الدرس الإنساني العظيم الذي يؤكد على احترام الكبير والعطف على الصغير، عملياً وواقعياً هناك أسر تعاني من تلك المشكلة القيمية الأخلاقية، لكنهم لا يعملون على حلّها.
العادات والتقاليد و«السّنع» والمثل العليا لا يتلقاها الإنسان من تلقاء نفسه، قد يتعلمها بمرور الوقت ومعايشته للآخرين، لكنه لن يتذوقها مع حليب أمه إلاّ إذا هي آمنت بضرورة ذلك، وألاّ تعجّل بفطامه قبل أن يُدرك ويستوعب، ويفهم كيفية التعامل معها ومع أفراد أسرته وأقرانه وكل من سيتعامل معه حينما «يحفظ العقل» كما يقول كبارنا، ويصبح قادراً على التمييز بين الصواب والخطأ.
الأخلاق والقيم مدرسة مناهجها واضحة ومتكاملة، معلّموها داخل الأسرة أولاً، ومن ثم يأتي المجتمع بشرائحه المختلفة، من هنا فإن الفهم قبل الاستجابة مهم أن يُتعلّم ويُكتسب َفي الصّغر كي لا يواجه المرء عندما يكبر مواقف لا يستطيع تحملها، أو التعامل معها، بثقة، واحترام، ومعرفة بالطرف الآخر الذي قد يجمعه به موقف ما في يوم ما، وفي مكان ما يتطلب وعياً في التعامل معه.
إن الفرص التي تتهيأ للإنسان للتعلم وفيرة، ومتنوعة لو أدرك بعضنا أهميتها وذهبوا إليها بإرادتهم لما فشلت علاقاتهم الإنسانية، ولما اضطروا إلى البكاء على اللبن الذي سكبوه بجهلهم، وقلة وعيهم، ونفاد صبرهم.
