يكافح حزب الخضر للحفاط على ما اكتسبه من دعم بعد أن قلب «كوفيد-19» السياسة الألمانية رأساً على عقب. فقد كان الحزب يتصدر استطلاعات الرأي العام الماضي، لكن صعوده واجه عودة صعود «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» بدعم من معالجة المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل للجائحة بحكمة. ومن المقرر إجراء انتخابات عامة العام المقبل، لكن التأييد الذي يتمتع به الخضر تراجع إلى أقل من 20%، أي تقريبا نصف ما يتمتع به التكتل الذي يقوده «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» بزعامة ميركل. وروبرت هابيك، رئيس الخضر بالشراكة مع أنالينا بايربوك، أصبح يحتل المرتبة السابعة في الشعبية بين السياسيين بعد أن كان أكثرهم شعبية ذات يوم.
وهذه ضربة لمن كانوا يأملون أن حقبة ما بعد ميركل قد تشهد تغيراً عميقاً قد يضع ألمانيا في واجهة مسعى الاتحاد الأوروبي للتخلص من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. وبدلا من هذا، يرجح أن تستهدف الحكومة التالية تغيراً تدريجياً. لكن سيظل الخضر، على الأرجح، هم الحزب الوحيد القادر على إعطاء الاتحاد الديمقراطي المسيحي الأغلبية بعد انتخابات العام المقبل. لكن أيضاً يحتمل ألا يتوافر لدى الخضر ما يكفي من رأس المال السياسي كي يضعوا قائمة الأولويات، لأن لا أحد من خلفاء ميركل المحتملين يدعم السياسات الخضراء بشكل خاص.
وهذا تراجع عما كان عليه الوضع في وقت سابق هذا العام، حين كان المهتمون بالشأن الألماني يتكهنون باحتمال أن تتمخض انتخابات العام المقبل عن أول مستشار ألماني أخضر أو حين اجتمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع هابيك وبايربوك لمدة ثلاث ساعات في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير. وفي يناير، ظهر هابيك في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس لأول مرة.
وقد خرج الخضر من رحم الحركة المناهضة للانتشار النووي ومن هامش الجناح اليساري في ثمانينيات القرن الماضي ثم شاركوا ثمانية أعوام في الحكم مع «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» قبل أن تصعد ميركل للسلطة عام 2005. ولم يوار الخضر طموحهم في العودة إلى السلطة. وظل الحزب يتحرك باستمرار نحو الوسط. وقد رسخ أقدامه كقوة أساسية في السياسة الألمانية. وحتى بعد تراجع شعبيته في الآونة الأخيرة، مازال يمثل ثاني أكثر الأحزاب شعبية في البلاد. وستتوقف قدرة الخضر على العودة إلى وضع يمكنهم من تحدي صعود «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» قبل انتخابات العام المقبل على الاقتصاد والمناخ وأيضاً فيروس كورونا.
إن حدوث جفاف شديد أو أزمة مناخية دولية قد يعزز ما يتمتعون به من تأييد فيما يتجاوز الشباب والنخب الحضرية. و«الاتحاد الديمقراطي المسيحي» سيصبح كياناً غير معلوم الوزن يخوض أول انتخاباته دون أن تكون ميركل مرشحة لمنصب المستشار.
كما أن طول أمد الركود قد يمثل تحدياً للخضر الذين مازال يُنظر إليهم باعتبارهم غير خبراء في الاقتصاد. وطرحت جائحة كورونا طائفة جديدة تماماً من التحديات أمام الخضر. ففي البداية أيدوا الإغلاق ثم انتقدوا عدم المساواة الاجتماعية في الإجراءات، وأكدوا أن عالم ما بعد كورونا يتعين أن يكون أكثر مساواة وحرصاً على سلامة البيئة.
لكن لا مفر فيما يبدو من أن يصبح الخضر شريكا في ائتلاف مع «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» لحقبة ما بعد ميركل. ومن الأسباب القوية لهذا أن الشريك الحالي في الائتلاف الحاكم، وهو «الحزب الديمقراطي الاشتراكي»، عازم على الجلوس في صفوف المعارضة حين تنتهي فترة الولاية الحالية. وهذا وحده يعني أن الخضر مازال لديه ورقة تفاوض مهمة. ويرى أوسكار نيدرماير، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الحرة في برلين، أن الخضر «لديهم ورقة تفاوض مهمة لأنه قد لا يكون هناك خيار آخر للائتلاف معه».

*محرر الشؤون السياسية الألمانية في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»