تقلدت وسائل الإعلام التقليدي وسام «السلطة الرابعة»، التي زيدت على سلطات العالم الثلاث المعروفة (السلطة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية)، وتبعتها «السلطة الخامسة» ممثلةً في وسائل الإعلام الجديد من مدونات إلكترونية ووسائل تواصل اجتماعي.. لتبرز معها مظاهر قوية جداً وجديدة في العملية الاتصالية، من حيث سرعتها وانتشارها، والتي أصبحت الآن ضمن تقنيات وتطبيقات لا تزال تجدد في قالبها، وأساليب خدمتها المتسابقة إلى الابتكار، ويبرز التحدي الجديد لكلا السلطتين، في توسع حيز المسؤولية الواقعة على عاتقهما في وقت الأزمات والكوارث، والتي لا بد أن تناسب ضخامة المحتوى وجمهوره المتلقي.
وبالنظر لدور وسائل الإعلام خلال فترات الطوارئ عامةً، وجائحة «كوفيد-19» خاصةً، لم يكن من المأمول ولا المقبول ما واجه بعض المجتمعات من «سقطات إعلامية» شابت طريقة إدارتها للمحتوى الإعلامي، ومن ذلك تعريض حياة الأفراد المصابين بالفيروس للانتهاك وعرض معلوماتهم الشخصية على الملأ، ناهيك عن استقالة العديد من وسائل الإعلام من مسؤوليتها المهنية والأخلاقية خلال الأزمة، متحولةً إلى برج مراقبة يتصيد سقوط المشاهير والفنانين والساسة وغيرهم في تعليقاتهم على هذا المرض، فهذه الشخصيات عامةً تدفع ضريبة قاسية لتلك الشهرة في الظروف العادية، لكن قدوم جائحة كورونا ضاعف من تصاعد أسهم الصحافة الصفراء، التي أصبحت بعض الصفحات العامة على مواقع التواصل الاجتماعي إحدى أيقوناتها، بل وأصبحنا نجد الكثير من الصفحات تحمل عناوين جذابة لإيقاع قرائها في شرك «النص الفارغ» و«لص العنوان»، بعيداً عن دورها المطلوب إن في الظروف الاعتيادية أو في ظل الأزمات.
إن المجتمعات اليوم تشكل سلسة مترابطة من «مجتمعات المعرفة»، يتمايز كل منها في مستواه وتنوعه، لكنه يتفق في كونه يتخذ من نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها في كافة المجالات المجتمعية أساساً له، ومن هذا المنطلق تزايدت مسؤولية الشركات الكبرى المديرة لوسائل الإعلام عامةً، ومواقع التواصل الاجتماعي خاصةً، مثل فيسبوك ويوتيوب وتويتر وسنابشات وإينستغرام.. وغيرها، عن أداء واجباتها المشتركة تجاه مجتمع المعرفة، الذي تتركز أولويته في الاهتمام بماهية المعلومة المقدمة، وكافة تفاصيلها، والمسهمة في بناء وعي، إذ لا بد من اغتنام الظروف الصعبة كبوصلة توجِّه مؤشرَها نحو المعوقات والثغرات لإصلاحها وإدراكها وتوجيه النقد البنّاء لها، على غرار ما فعلته شركة فيسبوك التي وسعت من دائرة وعيها في بناء قواعدها الناظمة، وتطوير سياسات الخصوصية، كرد فعل سريع وإيجابي على حادثة نيوزيلندا في مارس 2019، والتي كانت بمثابة صفعة في وجه كافة الثغرات الموجودة في موقع (Facebook)، وذلك بالإضافة للملاحظات التي كانت قد عرّضت الرئيس التنفيذي للموقع «مارك زوكربيرغ» سابقاً للقضاء، ومن هنا لا بد أن تعمل وسائل الإعلام واسعة التأثير على ولادة أنظمة وقواعد مهنية، تبني على الإنجازات السابقة الرائدة في مجال الإعلام والتدريب الإعلامي، إذ بات من المستحيل فصل وسائل الإعلام عن وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تنافس المواقع الإخبارية الرئيسة، باعتبارها مصدراً للمعلومة ومرجعاً موثوقاً يمكن التأكد منه.
لقد أدت وسائل الإعلام ولا تزال تؤدي دوراً بالغ الأهمية في الدفع بالجهود البنّاءة لصالح مجتمعاتها، لكن ذلك لا ينفي الحاجة لخاصية المرونة التي ينبغي أن تتحلى بها هذه الوسائل، لكي تنسجم وتتناغم مع كافة المتغيرات، ولكي تمتلك أدوات إدارة الأزمات إعلامياً بالشكل المطلوب، من خلال استكمال عملية بناء المعايير السليمة المحقِّقة للمسؤولية الإعلامية، واحترام أخلاقياتها، والتركيز على جهات الرقابة المعنية بتدقيق المعلومات والتأكد من صحتها، وبخاصة مع سرعة انتشار داء «الشائعات». 
إن الإعلام ووسائله وفروعه، يتعدى كونه جهة تشبه غيرها، فهو سندان ذو تأثير عريض على كافة شرائح ومكونات المجتمع، بل هو سلطة جامعة، تماماً كالثقافة التي تمسك من كل علم بحبل، وكذلك حبل المجال الإعلامي فهو يتميز بمتانته، وإذا تفوق فإن بإمكانه أن يصنع نجاحاً كبيراً.