منذ أن وصلت الإدارة الأميركية «الديمقراطية» الحالية إلى البيت الأبيض، والعلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تبدو تمر ببعض الإرهاصات والتقلبات التي تبدو للمراقب الخارجي بأنها خطيرة قد تؤثر على هذه العلاقات بطرق سلبية، لكن في تقديري أن المسألة غير ذلك تماماً، فما يبدو على السطح، هو غير الواقع الحقيقي لبواطن الأمور.
إن مؤشرات من قبيل إثارة قضية المواطن السعودي جمال خاشقجي من خلال تقرير طُرح أمام مجلس النواب قائم على استنتاجات غير واقعية، إضافة إلى عدم تصنيف جماعة «الحوثي» في اليمن كجماعة إرهابية في هذه المرحلة لا تعكس حقيقة وواقع علاقات تمتد لعقود طويلة بين الدولتين، وهي علاقات متينة جداً بُنيت على مصالح اقتصادية واستراتيجية مشتركة، لا يمكن لها أن تهتز أو تتأثر لمجرد أن مجموعة من جهة أميركية ما قدمت تقريراً نبته على استنتاجات توصلت إليها لا يمكن إثبات صحتها في الواقع العملي، لأنه لا أدلة مادية دامغة تم التوصل إليها.
على مدى العقود الطويلة منذ تدشين هذا النمط من العلاقات المثمرة، الولايات المتحدة بالذات اختارت على الأقل أن تنظر إلى مسألة حماية المملكة من المخاطر الخارجية على أنها مصلحة وطنية أميركية مهمة جداً.
هذا يعكس حقيقة مؤكدة، مفادها أولاً، أن الدولة السعودية القائمة تساعد الولايات المتحدة في الحفاظ على مصالحها بهذا الجزء من العالم. والولايات المتحدة كدولة عظمى وحيدة لديها مصالح في كل بقعة من بقاع الأرض أكثر من أية دولة أخرى في المنطقة؛ وثانياً، أن دعم المملكة عسكرياً وسياسياً من المؤكد أنه يضمن استمرارية المنهج السعودي في علاقاتها مع الولايات المتحدة؛ وثالثاً، أن هذه الاستمرارية ستصبح أكثر أهمية عندما يتم تعضيد الجانب الاقتصادي من العلاقات التي هي بيد المملكة أكثر من كونها بيد الولايات المتحدة، وترتبط بتدفقات النفط إلى الأخيرة، وإلى حلفائها الكبار حول العالم، وبالاستثمارات والإيداعات المالية الضخمة التي تمتلكها الأولى.
كل واحد من هذه المحتويات في الطرح يعكس بنفسه خياراً استراتيجياً مفصلياً فيما يتعلق بأهمية السعودية للولايات المتحدة على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
وضمن هذا السياق، فإن أية إدارة تأتي إلى البيت الأبيض لا يمكن لها أن تجازف بعلاقة الولايات المتحدة بالمملكة، لذلك، فإنه في كل يوم تقوم الولايات المتحدة بإعادة تأكيد منظومة من الخيارات الاستراتيجية الحيوية حول السعودية وحول المسائل التي تؤثر على علاقاتها بالسعودية وبنظرتها إلى هذه الدولة المهمة جداً.
لذلك، فإن ما أعتقده أن التفكير حول القرارات المستقبلية للولايات المتحدة لا بد وأن يبدأ بتلك القرارات التي تُتخذ بشكل مفهوم ضمناً على أساس يومي.
خيارات الولايات المتحدة لاتخاذ قراراتها وإدارة سياستها الخارجية تجاه المملكة العربية السعودية، مسألة لها جوانب سياسية واستراتيجية واقتصادية متداخلة ومتشابكة، لذلك سنكتفي بإيراد نماذج فقط من تلك الخيارات.
أولاً، أن المملكة العربية السعودية المستقرة والصديقة للولايات المتحدة أمر جوهري لأمن الأخيرة، ويعطي زخماً وتعضيداً لتوسعة وجودها السياسي والعسكري والأمني في الخليج العربي، ويوفر ضمانة لمصالحها ضد أي تهديدات خارجية.
وثانياً: أن أفضل استراتيجية لضمان أمن الخليج العربي - وبالتالي أمن السعودية - هو تفعيل سياسة تعتمد على وجود متقدم لقوات برية وبحرية وجوية لملء الفراغ الأمني الناتج عن غياب تحالف عسكري وأمني قوي جداً وعن التصعيد العسكري الإيراني المتواصل.
ثالثاً: هل المطلوب من الولايات المتحدة الرد على الاستفزازات الإيرانية المتكررة، المباشرة أو غير المباشرة، خاصة تلك التي تأتي من خلال الاعتداءات الحوثية المتكررة على السعودية بإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على أهداف مدنية وكيف يمكن لها القيام بذلك؟
رابعاً: إلى أي مدى يتوجب على الولايات المتحدة دعم المبادرات السعودية على الصعيدين الاقتصادي والمجتمعي لكي تدعم من خلال ذلك مصالحها الاستراتيجية كافة؟
خامساً: وأخيراً، يتوجب على ساسة الولايات المتحدة الابتعاد عن التدخل في شؤون المملكة الداخيلة، لأن هذا التدخل يضر بمصالح بلادهم الرسمية والشعبية، ومن الحكمة الإقرار بأن هذه التدخلات غير مجدية. 
* كاتب إماراتي