تتجه دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي بقوة وثقة لبناء قاعدة راسخة ومستدامة للطاقة المتجددة، وهو ما يثير الإعجاب من جهة بسبب سرعة هذا التحول في نسب ميزان الطاقة الخليجي، كما يثير تساؤلات عديدة حول اهتمام دول المجلس بمصادر الطاقة البديلة، في الوقت الذي تتمتع فيه بثروات طبيعية هائلة من مصادر الطاقة التقليدية، وبالأخص النفط والغاز.
وبالنسبة للمطلع على التجارب الخليجية في إقامة البنى التحتية اللازمة للنمو في العقود الخمسة الماضية، فإن علامات التعجب والتساؤلات تتلاشى، فهذه الدول تمكنت في السنوات الخمسين الماضية من بناء مؤسسات كبيرة ومتعددة في مجال البنية التحتية اللازمة للنمو الاقتصادي في مجالات الكهرباء والمياه والموانئ والمطارات والاتصالات، والتي تحولت بعضها إلى مراكز عالمية تتوسط قارات العالم.
من هنا، فإن التجارب المتراكمة لعملية البناء تشكل أهمية استثنائية لما يمكن البناء عليه مستقبلاً، بل إن التجربة السابقة تشكل قاعدة أساسية لانطلاق ونجاح التوجهات الجديدة بفضل التراكمات النوعية في مجال التكنولوجيا والطاقات البشرية المؤهلة لتشغيل وإدارة المنشآت الجديدة، والرامية إلى الاستفادة من التطور التقني لتنويع مصادر الطاقة وتوفيرها بأسعار تنافسية، مما سيؤدي أيضاً إلى تعميق التنوع الاقتصادي.
لنعود الآن إلى إعجاب البعض بالتوجهات الخليجية الجديدة وجرأتها، فتطوير مصادر الطاقة البديلة من الواضح أنه لا يخيف دول المجلس، بقدر ما أنه يشكل دافعاً إضافياً لها للانضمام للركب العالمي لتطوير هذه المصادر وتسخيرها للتنوع الاقتصادي ضمن التوجه العام للتحضير لفترة ما بعد النفط. أما بالنسبة للتساؤل الذي يبدو متناقضاً للوهلة الأولى والخاص بحجم مصادر الثروة النفطية والتوجهات الخاصة بتنمية مصادر الطاقة المتجددة، فالأمر يتعلق بالحصول على مصادر للطاقة المتجددة والنظيفة بأسعار مناسبة، مما سيؤدي إلى التخفيف من التلوث البيئي في دول المجلس والمساهمة في التوجه العالمي في هذا الصدد والمتمثل أساساً في اتفاقية باريس للمناخ.
وفي نفس الوقت يمكن زيادة استخدام المواد الخام النفطية والغازية لتطوير الصناعات المرتبطة بها والتي تعتمد عليها، بمعنى أن الثروات الطبيعية من مصادر الطاقة ستبقى مساهماً أساسياً ضمن المكونات الاقتصادية لدول المجلس، سواء كمصدر للطاقة أو زيادة مساهمتها لتنمية بعض الصناعات الأساسية التي تتطلب مكونات كبيرة من الطاقة أو المواد الأولية، كالصناعات البتروكيماوية والأسمدة التي يتزايد الطلب عليها في الأسواق الدولية. 
ومن هنا تتضح أهمية المشاريع الخليجية التي اعتمدت مؤخراً في مجال تطوير الطاقة البديلة والمتجددة، والتي سيكون لها شأن كبير في تحديد مسارات الاقتصادات الخليجية في المستقبل. ففي دولة الإمارات تتجه شركة أدنوك بقوة لتنويع مصادر الطاقة، كما يتم في أبوظبي بناء واحد من أكبر مراكز إنتاج الطاقة الشمسية في العالم، إلى جانب الطاقة النووية ببراكة ومجمع محمد بن راشد لإنتاج الطاقة الشمسية، مما سيؤدي إلى إنتاج 50% من الطاقة الكهربائية في الدولة من مصادر مستدامة ونظيفة.
أما في المملكة العربية السعودية فسيتم أيضاً إنتاج 50% من الكهرباء بالطاقة المتجددة بحلول عام 2030، بحيث يشمل ذلك الخدمات والصناعات وتوطين التقنيات وإعداد لمؤهلات البشرية القادرة ليس على إدارة هذه المنشآت فحسب، وإنما استيعابها ومن ثم تطوير التقنيات الخاصة بها. كما يشمل هذا التوجه مشاركة القطاع الخاص، وهو تطور نوعي جديد لم تتضمنه التوجهات السابقة الخاصة بتنمية البنى التحتية في العقود الماضية.
تلك مجرد أمثلة للتوجهات الخليجية والتي يتوقع أن تكتسب زخماً كبيراً في الفترة القادمة، حيث تقف الإمارات والسعودية في مقدمة دول المجلس في قيادة هذا التوجه الجديد والمهم للتنمية المستدامة، إذ يتطلب الآمر أن تسارع بقية الدول الخليجية إلى إقرار مشاريع مماثلة سبق وأن أُقرت من قبل لتتكامل البرامج الخليجية في مجال الطاقة المتجددة والنظيفة، خصوصاً وأن هناك ربطاً كهربائياً بين دول المجلس، ساهم بصورة كبيرة في استدامة توفر الطاقة الكهربائية وتخفيض تكاليفها، وهي تجربة تستحق البناء عليها ضمن التوجهات الجديدة. 

*مستشار وخبير اقتصادي