يسود منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من أربعين عاماً اتجاهان متضادان، تتبنى الأولَ منهما دولٌ إقليمية غير عربية ويرمي إلى تصدير الثورة سعياً لتعميم تجربة الدولة الفاشلة، في حين تتبنى الاتجاهَ الآخر دولٌ خليجيةٌ عربية ترمي من خلاله إلى نقل تجربتها التنموية الناجحة إلى بقية دول الشرق الأوسط لمساعدتها على تنفيذ مشاريعها التنموية ورفع معدلات النمو ومستويات المعيشة وتوفير فرص العمل، وبالأخص في مجال البنى التحتية والتقنيات الحديثة والطاقة المتجددة.
الصراع في هذا الجانب سيحدد مستقبل هذه المنطقة وتوجهاتها المستقبلية، فإما سيادة حكم الميليشيات والغوغاء وخلق دول فاشلة وانتشار الفقر والدمار، وإما التنمية والازدهار ومستويات المعيشة المرتفعة.. ولا خيار ثالث بينهما. ومن حسن الطالع أن الشعوب التي طالها دمار تصدير الثورة بدأت تعي مخاطر الاستمرار في هذا التوجه الذي يعتمد على نشر الفوضى من خلال تأسيس ميليشيات تمارس القتل ونهب الثروات وتسعى لأن تكون بديلاً لأجهزة الدولة الرسمية.. في حين يرمي المشروع الخليجي العربي إلى تقوية أسس الدولة والنظام وجذب الاستثمارات والإسراع بمعدلات النمو، حيث تقف هذه الدول في مقدمة المستثمرين والداعمين لتنفيذ مشاريع اقتصادية واجتماعية كبيرة تضع أسساً قوية للنمو يسود فيها النظام والأمن بدلاً من الفوضى والخوف.
مؤشرات هذا التغير واضحة في العراق الذي ابتُلي بتصدير الثورة، حيث تحاول بعض أقطاب النظام وبدعم شعبي الخروج من نفق المليشيات وبناء دولة حديثة ومتقدمة رغم العراقيل التي تضعها «دولة تصدير الثورة». وفي لبنان ينتفض الشعب اللبناني ضد هيمنة ميليشيا مسلحة لإنقاذ البلد من الفقر والفوضى، وهو يقارن بين الفترة التي كان يرتبط فيها بدول الخليج العربية وكانت فترة ازدهار سادها النظام والتنمية وبين وضعه الحالي حيث التدهور الاقتصادي والبطالة وانهيار العملة الوطنية وكوارث المتفجرات سيئة التخزين. وينطبق ذلك على سوريا التي استقبلت في الماضي استثمارات خليجية هائلة أسهمت في نموها وبروزها كدولة مزدهرة وبين وضعها الحالي حيث تحاول المليشيات أن تجد لها دوراً رئيساً.
أما اليمن فمأساة أخرى، فبعد أن شهد استقراراً وتقدماً اقتصادياً من خلال الاستثمارات الخليجية وانضمامه إلى بعض مؤسسات مجلس التعاون الخليجي، ناله نهج تصدير الثورة، ليتحول إلى دولة تحكمها الميليشيات وتسودها الفوضى وينتشر فيها الفقر. ولحسن الحظ نجت مصر من هذا النفق المظلم، بعد أن كان الإخواني «مرسي» بصدد تشكيل ميليشيات «ثورية»، لكن سرعان ما تخلص المصريون من تلك الكارثة وانضموا للمشروع الخليجي التنموي، والآن تحقق مصر أحد أسرع معدلات النمو في العالم. 
تصدير الثورة يعني لأصحابه تصدير السلاح وأدوات الدمار وبناء الميليشيات ونهب الثروات.. باستغلال الشعارات الدينية. أما تصدير التنمية فيعني بالنسبة للدول التي تتبناه، تصدير رؤوس الأموال والخبرات التنموية وبناء المشاريع وتطوير التعليم والخدمات الصحية والمرافق العامة والبنى التحتية وتوفير الوظائف ورفع المستويات المعيشية وتقوية أجهزة الدولة لدعم الاستقرار والأمن الاجتماعي والتنمية.
الطريق الأول نهايته مسدودة ومصيره معروف، وقد بدأت بالفعل تداعيات انهياره بعد أن برز زيف شعاراته الشوفينية المغلَّفة بالدين، لدا تسعى الدول الأربع التي طالها دماره إلى اللحاق بمشروع التنمية الخليجي العربي؛ لأنه يفتح لها طريق التنمية والوظائف والاستقرار والأمن والمستويات المعيشية الراقية، خصوصاً وأنها دول غنية وتتوافر لها موارد طبيعية وبشرية كبيرة تشكل أسساً قوية لتنفيذ برامج تنموية مستقبلية واعدة بعد التخلص من مخلفات تصدير الثورة والميليشيات المرتبطة بها، إذ حتى الأعمى بات يرى الفرق بين النهجين العربي التنموي المتسامح، وغير العربي المدمر للإنسان والاقتصاد والقيم الاجتماعية والأخلاقية.

* مستشار وخبير اقتصادي