سيكون أمام الرئيس جو بايدن وفريقه عدد هائل من القضايا الملحة التي ينبغي له التعامل معها، وفي مقدمتها الوباء، والتعافي الاقتصادي، والعلاقات بين الأعراق. غير أنه على غرار الفترات الانتقالية الرئاسية السابقة، هناك احتمالات كبيرة لأن تجد كوريا الشمالية طريقة لوضع نفسها على واجهة الأحداث الدولية من جديد. ففي الماضي، كان نظام «كيم» يلفت الانتباه إليه من خلال استفزازات تتعلق بالاختبارات الصاروخية والنووية، وهذا يمكن أن يكون واقع الحال في 2021 أيضاً. غير أنه يجدر ببايدن وفريقه أن يتوخيا الحذر إزاء شكل آخر من أزمة كوريا الشمالية: شكل ينطوي على خليط كارثي من كوفيد- 19، والأسلحة النووية، واقتصاد آخذ في الانهيار.
خطاب الزعيم الكوري الشمالي «كيم جونغ أون» خلال مؤتمر حزب «العمال» في وقت سابق في يناير الماضي أكد أن نزع أسلحة «الشمال» النووية ليس وشيكاً بالنسبة لإدارة بايدن. وعلى العكس، كشف «كيم» عن أجندة طموحة جداً لتحديث الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والصواريخ البالستية عابرة القارات التي تشتغل بالوقود الصلب، والمركبات الجوية غير المأهولة، والغواصات التي تشتغل بالطاقة النووية والقادرة على إطلاق صواريخ بالستية، والأسلحة النووية التكتيكية. كما قال «كيم» إنه يرغب في تطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات ذات دقة في الاستهداف يصل مداها إلى 10 آلاف ميل تقريباً، وهو ما سيغطي تراب الولايات المتحدة القارية.
وإذا تمكن «كيم» من العمل مبكراً، فإن بايدن قد يجد نفسه قريباً في مواجهة استفزازات صاروخية، تماماً كما فعل عندما كان نائباً للرئيس، حينما أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً وفجّرت قنبلة نووية بعيد وصول الرئيس باراك أوباما للسلطة.
غير أن هناك فرقاً هذه المرة. ذلك أن كيم أصدر هذه الجولة الحديثة من التهديدات وسط تفشي وباء عالمي أغلق البلاد وأصاب اقتصاداً ضعيفاً أصلا بالشلل. وهذا يمكن أن يصبح المصدر الحقيقي للأزمة. وبالتالي، فإن كيم يفترض أن يخاف من القوة العسكرية الأميركية أقل من خوفه من احتمال تفشي الوباء عبر بنية تحتية صحية عامة غير موجودة. وإذا كانت كوريا الشمالية ما زالت تدّعي عدم وجود أي إصابات بكوفيد- 19 في البلاد، فإنها أغلقت حدودها كلياً، على غرار الإغلاق الذي قامت به رداً على تفشي إيبولا في غرب أفريقيا في 2014 و«سارس» في 2003. وقد عانى الاقتصاد كثيراً نتيجة ذلك، مسجلاً تباطؤاً اقتصادياً في 2020 شبيها بـ«المجاعة الكبرى» في التسعينيات، عندما قضى 10 في المئة من السكان.
في العادة، كانت الصين وكوريا الشمالية ستهبّان لتقديم المساعدة، ولكن الكوريين الشماليين أغلقوا كل التجارة الحدودية تقريباً خشية دخول الفيروس إلى البلاد. وعلى سبيل المثال، فإن التجارة مع الصين، التي تُعد الشريك التجاري الأول لكوريا الشمالية، انخفضت- منذ مطلع2021- بأكثر من 70 في المئة.
كما أن اللقاحات ما زالت بعيدة جداً. فكوريا الجنوبية، التي تُعد المصدر الأرجح لها، لا تتوافر عليها بعد ومن غير المحتمل أن تحصل على أي منها قبل أبريل المقبل. وفضلاً عن ذلك، فإن الصين منشغلة بمشاكلها الخاصة مع السلالة الجديدة من الفيروس، ودبلوماسية اللقاح التي تتبعها تركز على أفريقيا وأميركا اللاتينية.
كل هذا يعني أن لا نهاية في الأفق.
كوريا الشمالية قد ترد على هذه المعضلة بمحاولة السيطرة على الأسواق الخاصة المزدهرة داخل البلاد. ويشير مؤتمر الحزب الأخير إلى أن هذه التدابير قد تشمل إرغام المواطنين الكوريين الشماليين المكدين على تسليم الدولارات والرينمنبي واليوروهات الثمينة التي حصلوا عليها عبر الأسواق السوداء في مقابل الوان الكوري الشمالي عديم القيمة.
وتشير أبحاثنا في استجواب المنشقين الكوريين الشماليين إلى أن معظم المقاومة المجتمعية ضد القبضة الفولاذية للدولة كانت تحدث كلما جرّبت الحكومة أنشطة مناوئة للسوق مثل إصلاح العملة، أو ضرائب استثنائية، أو إغلاق الأسواق. وبالتالي، ففي حال أصبح النظام يائساً بما يكفي لاتخاذ مثل هذه التدابير، فإنه قد يجد نفسه في مواجهة تجمعات للكوريين الشماليين الغاضبين، يمكن أن تصبح بدورها سبباً لانتشار كبير لكوفيد- 19، مما سيفاقم الأزمة.
انهيار من هذا النوع يمكن أن يعني أن الحكومة في بيونغ يانغ قد تجد إغراء في مهاجمة أعداء خارجيين لتبرير تعزيز السلطة في الداخل من خلال القمع العنيف. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن يؤدي تضافر المرض وتدهور الاقتصاد إلى فوضى داخلية قد تعرّض السيطرة الحكومية على ترسانتها النووية للخطر.
كل هذه المتغيرات تعني أن الإدارة الأميركية الجديدة يمكن أن تواجه أزمة كورية شمالية مغايرة لأي أزمة واجهت الولايات المتحدة من قبل. ولهذا، يجدر ببايدن ألا يغفل عن مراقبة كوريا الشمالية.
*كاتب وأكاديمي أميركي، مستشار بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن وأستاذ بجامعة «جورج تاون»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»