سطر الإنسان في ماضيه الغابر، وواقعه المعاش، ومستقبله المأمول، إثبات مفاده بأن جهود الإنسان لا تنقطع عن المحاولة، وهي تكاد تكون فطرة طموحة لبناء عالم أفضل نقي من كافة المكدرات المادية والمعنوية بشكل عام، والمعوقات المرتبطة بالقيم الأخلاقية خاصةً. إذ يعتبر تشييد حصون القيم الأخلاقية، والعقلانية في المجتمعات، إرهاصات مستجيبة للواقع، ومحاولات للوقوف باستخدام أدواته في وجه جنون «المغالاة»، من مغالاة الفكر، والمنطق، والسلوك، والتي باتت تبث بملايين الرسائل كل يوم عبر تصاعد أسهم التطورات الرقماتية في جانبها السلبي بالذات الدافع بخطاب الكراهية وتغذية قطب الأنا على حساب الآخر.
الوجود البشري اليوم أحوج ما يكون لاستشعار وتجسيد قيمه في مجالات الحياة الواقعية، التي تتعدى الكتب والمناظرات، تسخيراً للإمكانات، ودفعاً بالأخلاقيات، البانية والمؤسسة لـ «الإنسان»، وتقديم يد العون له للتغلب على كل التحديات، المحدقة بأنظمته الاجتماعية ونسق تعايش كل مكوناته ثرية التنوع، ومن جهة أخرى فإن احترام القيم الأخلاقية وإيلاءها ما تستحقه في دواخل نفوسنا وأفكارنا التي ستترجم لاحقاً لسلوكيات، سيكون السبيل لإنقاذ طمأنينة الشعوب، والتي تدرأ بتحول الخصوصيات الثقافية أو المعتقدات الدينية أو الأجناس والأعراق المختلفة عائقاً، أمام تحقيق الوحدة الوطنية، أو استغلالها كفتيل إشعال حروب وصراعات أدت ولازالت كثير من الأجناس ضريبة تميزها الطبيعي.

وفي النظر لسياق العمليات التفاعلية والتواصلية، على امتداد الكرة الأرضية، فإنها تقوم على عدة أطراف لا تبتعد عن هيكلة المرسل والمستقبل والرسالة المضمنة، ومن ضمن ملايين تلك الرسائل تبرز الرسالة السامية التي يجتمع العالم على ضرورتها ومكانتها، والمتمثلة برسالة التنشئة التربوية والأكاديمية، وبخاصة في إصلاح ما تفسده التحولات، وما يساء استخدامه من أدوات التطورات، ذلك أن المنظومة الفكرية، والثقافية باتت تعاني من انخفاض سحيق للأخلاق الضابطة، وتراجع لأسمى القيم الروحية والأخلاقية، والتي تسرب منها هشاشة في بنية المؤسسة البنيوية الأسرية، وتنامٍ فظيع للنزعات الفردية، والصدامية، لتقود غالباً للتطرف والتعصب الأعمى، وضعف الشعور بالمسؤولية الذي يعتبر دافعاً إنسانياً رصيناً للشروع في التطور والتطوير. 
لذا كان السعي جاداً لانتشال البذور الغضة من أبناء المجتمعات الإنسانية، من مستنقع تداعيات التحديات المتمثلة بتيارات التطرف، والإلحاد، ولإيقاف انتشار الغاز السام المنبعث من أيديولوجيات جماعات التطرف، التي تسعى لتدمير البناء الفكري، الذي يعد أساساً لكل التحولات البشرية والمجتمعية، والعالمية.
لا ريب أن المشاريع الحضارية تحتاج لإرهاصات عديدة تبدأ من البذرة المجتمعية المتمثلة بفئتي الأطفال والشباب، ذلك أن البناء الحضاري ونهوض المجتمعات الإنسانية يعوز كأي بناء آخر لإيجاد أرضية خصبة وملائمة، ثم البدء بإنشاء أساساتها القوية، والمتينة، وبعد التأكد من قدرتها على تحدي أحلك الظروف، يكون الاستمرار بتشييدها وتطويرها والإضافة عليها، دون إهمال عامل ثابت ومهم يتمثل في توفير المياه النقية لري حدائقها، والعاملين عليها من خلال إشباع الظمأ بأسمى القيم الأخلاقية الجامعة، والتي تنعكس من خلال التسامح. وبخاصة أنْ واقع ما تعيشه المجتمعات بفعل هذه التحولات العالمية، أصبح معوزاً بحدة لنقش خريطة بارزة المعالم، واضحة الاتجاهات معنية بالمسؤولية العالمية، والإرادة الملزمة الواعية للخطر الذي يحدق بالمجتمعات الآنية والأجيال القادمة. 
وبالنظر لقيمة التسامح بالذات، فهي تنطلق من عماد الطبيعة الواقعية الجديدة التي تضيف فوق العولمة ألفاً غيرها، في إشارة لعمق وتوسع رقعة التعارف الإنساني الذي بات يحمل في شتى بقاعه نسيجاً متشابكاً غنياً بالأديان والثقافات وغيرها. وليس بأدل من نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة على ذلك، تجد التسامح عندها شعاراً إدارياً وسياسياً، وبرنامجاً ثقافياً، ومنهاجاً أكاديمياً، ويتجلى ذلك مبادراتها الداعمة للقيم الإنسانية عامةً، وقيم التعايش والتسامح خاصةً، بمختلف أشكاله وقطاعاته، فقد اعتمد شعاراً رئيسياً في سياسات دولة الإمارات الخارجية والداخلية، ونهجاً عملياً توجه لتطبيقه وتفعيله وتطويره وتشريعه أجهزة الدولة. 
التغيير الحقيقي في القيم والسلوكيات، والقناعات المتجذرة، يستدعي إحداث ثورة داخلية على الصعيد الفردي قبل الجمعي، من خلال ترسيخ الوعي القائم على الأفراد ليصبح كل فرد قادراً وواعياً لضرورة مراجعاته الذاتية وتحديد مستوى تسامحه والعمل على التطوير من ذلك، فالتعصب المتفشي في مجتمع ما، هو إلا حصيلة التعصب الموجود في أفراده. كما أن التزمت والتنميط والوصم والإهانات والدعابات العنصرية خير أمثلة على التعابير الفردية عن التنمر، وخطابات الكراهية، التي يتعرض لها الأشخاص يومياً. فالتعصب يولّد التعصب ويترك ضحاياه متعطشين للثأر. ولا يمكن مكافحة هذه الآفة إلا بوعي، وتأسيسهم التعليمي والتربوي، القائم بين أنماط سلوكهم والحلقة المفرغة لانعدام الثقة والعنف في المجتمع، مولداً لقيم سامية تتميز بها أجيالنا القادمة.