درج دونالد ترامب، خلال حملة الانتخابات الرئاسية وحتى قبلها، على أن يَسخر من جو بايدن الذي كان يطلق عليه لقب «جو النعسان». والواقع أنه حتى بعض أنصار المرشح بايدن كانوا يرون أن بايدن يفتقر إلى الطاقة والحيوية وأنه يمكن أن يظهر بمظهر غير قوي لا يصب في مصلحته إلى جانب دونالد ترامب الخشن. والحال أنه منذ بداية رئاسته، ما فتئ بايدن يُبين عن زعامة حقيقية ويبدي حزماً وتأثيراً. وهكذا، انتقلنا من «جو النعسان» إلى «بايدن الخارق». ولكن كيف يترجم ذلك؟ 
على الصعيد الداخلي أولاً. فعندما وصل جو بايدن إلى السلطة، كانت الولايات المتحدة عالقة في مستنقع وباء «كوفيد- 19». إذ كان عدد الوفيات في البلاد هو الأكبر في العالم وواحداً من أهم المعدلات قياساً بعدد السكان. فأطلق جو بايدن حملة تلقيح ضخمة وحرص في الوقت نفسه على تطبيق التدابير الصحية التي لم يكن سلفه يعتبرها ضرورية. 
هذه السياسة سمحت له بأن يَعد الأميركيين بأن احتفالات 4 يوليو (عيد الاستقلال) يمكن أن تمر بشكل عادي. وقد شكّلت سياسة التلقيح في الولايات المتحدة نجاحاً حقيقياً. والأرقام تبعث على الذهول حقاً: ذلك أن قرابة 100 مليون أميركي (أي ما يعادل ثلث السكان) باتوا ملقحين بشكل كامل. 
هذه السياسة الصحية كانت مرافقة بخطة ضخمة من أجل تقوية الاقتصاد أيضاً. الخطة التي تناهز قيمتها 2000 مليار دولار، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا تقريباً، تقضي على الخصوص بتخصيص مساعدة مالية لكل أسرة أميركية. صحيح أن هذا الأمر قد يكون من نتائجه إنعاش آلة الإنتاج الصينية ودعمها، غير أن الأمر يتعلق على كل حال بمخطط مبهر حقاً ومثير للإعجاب. كما تنص الخطة على استثمارات ضخمة في البنية التحتية، التي يُعد بعضها قديما ًومتهالكاً. ومما يذكر في هذا السياق أن زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن الوطني الأميركي في عهد إدارة كارتر، كان يرى في تلك البنى التحتية البالية هي إحدى العيوب الرئيسة للولايات المتحدة. وقد يكون من المفيد عقد مقارنة مع الصين بهذا الخصوص: ففي عام 1988، كان لدى الصين 150 كيلومتراً فقط من الطرق السريعة، مقابل 96 ألف كيلومتر في 2012، لتتدارك بذلك المستوى الأميركي. واليوم، لدى الصين 160 ألف كيلومتر من الطرق السريعة، في حين أن شبكة الطرق السريعة الأميركية عرفت ركوداً منذ ذلك التاريخ. 
غير أن الصعيد الدولي هو المجال حيث يبين جو بايدن عن قدر أكبر من الزعامة بكل تأكيد. ففي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن الرئيس الأميركي عن السحب النهائي للجنود الأميركيين من أفغانستان. هذا القرار يشكّل طبعاً حالة فشل، إذ لا جدوى من مواصلة حرب ووجود أميركي مستمر منذ 20 عاماً، ومن البدهي أن هذه الحرب لن تُكسب أبداً. 
ولا شك أن إعادة انخراط الولايات المتحدة في الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ شيء جيد، فالمشاركة الفعلية للولايات المتحدة في هذا من أجل بقاء الإنسانية واستمرارها شيء لا غنى عنه. 
غير أن الخبر الذي فاجأ الكثيرين هو المعركة التي شنّتها الإدارة الجديدة على عمالقة التكنولوجيا، المعروفة اختصارا ب«غافام» (غوغل، وآبل، وفيسبوك، وأمازون ومايكروسوفت). والرغبة في فرض ضرائب بنسبة 21 في المئة على المستوى العالمي ستسمح بمكافحة التهرب الضريبي الذي كان مدعوماً ومقبولاً إلى حد كبير من قبل الولايات المتحدة. ذلك أن إدارة بايدن باتت في حاجة إلى مداخيل مالية من أجل تمويل برامجها المتعلقة بدعم التعافي الاقتصادي، وتتمثل الفكرة في زيادة مساهمة الأغنياء وبالتالي الشركات متعددة الجنسيات. ولا شك أن حقيقة أن هذه الدفعة تأتي من البلد الذي كان وراء ظهور الليبرالية المتطرفة وسياسات عالمية للتهرب الضريبي دالّة ومعبِّرة جداً وتشكِّل تطوراً مهماً على اعتبار أنه منذ اللحظة التي تبدأ فيها الولايات المتحدة مكافحة الملاذات الضريبية والتهرب الضريبي، سيصبح من الصعب الذهاب في اتجاه معاكس في مجالات أخرى. وربما الصين هي التي لن تسير في هذه الطريق، إذ نلاحظ أن بكين تسعى إلى الاحتفاظ بالأغنياء الرأسماليين في هونغ كونغ من خلال منحهم إعفاءات ضريبية. 
باختصار، إن بايدن يعيد بطريقته خلق زعامة أميركية هدفها الرئيس هو احتواء تنامي القوة الصينية. غير أن بكين باتت الآن الشريك التجاري الرئيس لـ64 بلداً مقابل 38 بالنسبة للولايات المتحدة. وإذا ما طلبت الولايات المتحدة من حلفائها الاختيار بين الصين والولايات المتحدة، فإنه سيكون من الصعب للغاية لبعضهم أن يقطعوا جسورهم مع بكين.