العالم المناخي ليس بخير، وما سنتركه لأبنائنا لن يكون مصدر فخر لهم، وسيتحمّل جيلنا مسؤوليةً كبيرة أمام الله وأمام التاريخ لما يجري وسيجري في المستقبل القريب.. فلا المؤتمرات الدولية ولا القمم ولا المنشورات العليمة ولا أنشطة المجتمع المدني العالمي ولا الصيحات المتكررة التي تقوم بها المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، ولا التقارير المتتالية.. لا شيء من ذلك لحد الساعة نجح في إيقاف التغيرات المناخية التي أضحت كارثية وسريعة أكثر من أي وقت مضى. وفي تقرير أممي أخير تحدثت عنه جريدة «الاتحاد» باستفاضة، يشير الخبراء إلى أن هذه التغييرات ستستمر في منحاها التصاعدي في المستقبل لتزيد من تأثيرها على حياة الإنسان عبر زيادة تواتر العديد من الظواهر الجوية والمناخية القاسية. زد على ذلك أن بعض الظواهر من قبيل ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه المحيطات، ستبقى غير قابلة للحل إلى أبد الآبدين، فالحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية، وستتكرر موجات الحرارة الشديدة كل 10 سنوات، وذلك بسبب الاحتباس الحراري العالمي، كما أن الجفاف وهطول الأمطار بغزارة سيصبحان أكثر تواتراً. 
ولا يخفى على كل متتبع أن النشاطات البشرية هي التي تتسبب في كل هذه المصائب، وهو ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، في إطار تعليقه على التقرير الأممي يقول: «إنه إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا».
وللأسف الشديد، فإن العالم لا يتعظ. وكنا من بين أولئك المتفائلين إزاء تداعيات جائحة «كوفيد - 19» الذين استبشروا خيراً بالمستقبل القريب، وقلنا في صفحات هذه الجريدة عند حديثنا عن عالم ما بعد «كورونا»، إن صحّة البيئة ستوازي صحّة البشر أهميّةً، وما يعنيه ذلك من ضرورة التعامل الجاد مع التغير المناخي والقضاء على المخاطر التي تحْدق بدول العالم؛ من عواصف تزداد عتواً، وحرائق غابات تزداد اتساعاً، ومواسم فيضانات ودورات جفاف.. وكلها مرتبطة بتغير المناخ، إضافة إلى تلوث الهواء جراء حرق الوقود الأحفوري. 

وقد رأينا مؤخراً كيف أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن حزمة جديدة من الإجراءات التنفيذية للتصدي للتغير المناخي، أبرزها وقف إصدار عقود جديدة تتعلق بمشروعات النفط والغاز على أراضٍ اتحادية، وقطع الدعم عن استخراج الوقود الأحفوري.
لكن التقرير الأممي يشير بالملموس إلى غياب المناهج الحكومية الشاملة، وحتى قرارات الرئيس بايدن الجديدة ليس بإمكانها وقف هذا التسونامي الخطير، وهذا يجعل المتشائمين أكثر تشاؤماً ويدخل المتفائلين في خانة التشاؤم.
ويمكن تتبع تدخلات الخبراء في إطار المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، والذي يعقد هذه الأيام في مرسيليا بفرنسا، لنفهم آثاراً أخرى ناتجة عن نشاطات الإنسان الكارثية.. فالتنوع البيولوجي آخذ في التدهور، إذ هناك ما يصل إلى مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض في إطار ما يسميه العلماء «الانقراض الجماعي السادس». فتغير المناخ يؤثر سلباً على مستقبل العديد من الأنواع، وخصوصاً الحيوانات والنباتات المستوطنة التي تعيش بشكل خاص في جزر صغيرة أو في بعض النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي. 
وعندما بدأ النظام العالمي يخاف انتشار القنابل الذرية والأسلحة النووية، فُرضت تعهدات ملزمة قانوناً لعل أهم مبادئها هي تلك التي حددتها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والتي تم التفاوض بشأنها عام 1968، وأبرمت وقتئذ تأسيسا على تفاهمين محوريين اثنين: تعهد الدول المالكة للقنبلة الذرية بالتخلي عنها، وتعهد الدول غير المالكة لها بمواصلة الامتناع عن امتلاكها. المهم أن ذلك أعطى أُكلَه ولم تدخل إلى مصاف الدول التي تمتلك الأسلحة النووية بعد ذلك التاريخ إلا دول قليلة، وقامت بذلك على حساب شعوبها.
ويبقى أن نقيس أخطار صناعة الأسلحة الفتاكة مقارنةً بما يقوم به البشر من أعمال تخريبية في حق المناخ.. فكلا العملين طامة كبرى على البشر، وكليهما يحتاجان إلى نفس التخوف لإزالة المشكل من الجذور.. فلو استطاعت البشرية أن تفكر بهذا المنظور لأصبح تنفيذ الاتفاقيات الدولية المناخية مسألة إجبارية، ولأوصلنا الأجيال المقبلة إلى بر الأمان.

أكاديمي مغربي