مثلت الاستجابة للتحدي الاقتصادي «الشرس» أحد أبرز الأهداف التي يسعى العالم لتحقيقها خلال جائحة «كوفيد-19»، فماذا لو استيقظ العالم على خبر اختفاء بعض الوظائف الهامة في قطاع من القطاعات الرئيسية؟
إن هذا بالتحديد ما واجهته الكثير من الوظائف المعتمدة على الأيدي العاملة الناعمة، بالإضافة للمؤسسات المجتمعية ذات العلاقة بدعم المرأة وتمكينها، إذ شهد حدث انسحاب المرأة من سوق العمل بمعدل يزيد على معدل انسحاب الرجل بأربعة أضعاف، الأمر الذي مثّل استجابة طبيعية لأهمية دورها الاجتماعي كأم مربية وراعية للأطفال ومشرفة على استمرارية تقدمهم التربوي والأكاديمي، ومسؤول أول عن كافة الاحتياجات الناجمة عن ظروف الجائحة بأبعادها النفسية والبدنية، لاسيما أن القطاعات الأكثر تضرراً إثر الجائحة كانت تلعب دوراً كبيراً فيها، مثل المؤسسات التعليمية، ومراكز الرعاية الصحية، ووظائف الخدمات.. إلخ. 
لإيجاد حل فعلي وفعّال لما تواجهه النساء في العالم من تحديات بعد الفيروس الذي هاجم الصحة، لابد من تسليط الضوء على الفيروس الذي لا يزال يقضم الفكر متمثلاً بالمشاكل التركيبية والفكرية المتأصلة في المجتمعات. وكما قالت الفيلسوفة الفرنسية «سيمون دي بوفوار»، في كتابها «الجنس الآخر»، فإن «الأنثى لا تولد امرأة، بل المجتمع يعلّمها أن تكون كذلك»، بمعنى أن هناك ضرورة لعلاج اللغط الحاصل في الكثير من المجتمعات حول الخلط بين الوظائف البيولوجية والاجتماعية للمرأة، وعدم القدرة على التوفيق بين ما تمليه عليها «هويتها الجنسية» ووظائفها الحياتية الأخرى، والتي لا يزال -للأسف- بعض إعلامنا إلى اليوم يتناولها باستهجان ويعرضها كإحدى عجائب الدنيا!
لنتحسس ملامح المشكلة المتعلقة بآثار الجائحة على المساواة بين الجنسين في المنطقة العربية وحدها، نجد أنه من المتوقع أن تصل خسارة الوظائف نحو 1.7 مليون وظيفة، من بينها 700 ألف وظيفة على أقل تقدير تشغلها نساء، وذلك حسب دراسة صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا). هذا بالإضافة إلى نصيب المرأة من البطالة والمقدر أصلا بنسبة 19٪ مقابل 8٪ للرجال في عام (2019)! 
إن الاهتمام بتعزيز دور المرأة في المجتمعات، وتسليمها المزيد من المسؤوليات الدافعة نحو تنمية ونهضة الأمم، كان يشكل هدفاً «قيد التحقق» في كثير من المجتمعات، قبل وصول «الزائر الثقيل» (كورونا)، الأمر الذي أعاد هذا التقدم بخطوات نحو الوراء، يصحبها العديد من العوامل الأكثر وعورة عما سبق، وبخاصة بعد المسؤولية الكبيرة التي تحملتها المرأة على عاتقها والتي ستحدّ من قدرتها على العودة لسوق العمل كالسابق، مما يعني حدوث تراخٍ في عجلة الإنعاش الاقتصادي المنتظر، وهو ذات الأمر الذي يعيد قضية «المساواة بين الرجل والمرأة» في توزيع الشواغر إلى الواجهة، مع تعرض النساء لفقدان الوظائف، وانعدام الدخل بالنسبة لما يزيد على مائة مليون امرأة، حسب تقديرات منظمة أوكسفام التي تمثل الاتحاد الدولي للمنظمات الخيرية الساعية لتخفيف حدة الفقر على مستوى العالم. 
ما تتقلّده المرأةُ اليوم من مناصب اجتماعية ومواقع تأثير تربوية وتكوينية «مهمشة» في بعض الأحيان، له الأثر الرئيس في صناعة الجيل القادم، وفي رعاية الجيل الحالي، الأمر الذي يعني أن مد يد العون لها، وتطوير أنظمة الدعم والقرارات الحكومية إزاءها يعد تشريفاً لا تكليفاً للمرأة، وتكليفاً لا تشريفاً للرجل ودليل احترام وتقدير للدور الرسالي الضروري للمرأة، مما يعني أن التحركات الاستشرافية القادمة يتوقع منها تحقيق مزيد من التكافؤ بين الجنسين، وإعادة جدولة برامج إجازة رعاية الطفل (لكلا الوالدين)، وتقديم التسهيلات من جانب مراكز رعاية الأطفال، مع المرونة في أوقات العمل لصالح الأمومة الحديثة. 


أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة