السحايا هي مجموعة من الأغشية الرقيقة، شبه الشفافة، التي تغلّف المخ والحبل الشوكي. أما التهاب السحايا، فهو حالة مرضية تلتهب فيها هذه الأغشية، لأسباب عدة، أهمها العدوى البكتيرية والفيروسية.

ورغم أن الكثيرين منا ليسوا على دراية بخطورة هذا المرض، إلا أنه يقدر أن التهاب السحايا الناتج عن العدوى البكتيرية وحدها، يتسبب في وفاة 250 ألف شخص سنوياً، أو واحد من كل عشرة مصابين. حيث يقدّر أن هذا المرض يصيب الملايين سنوياً، ليقتل الكثيرين منهم، وخصوصاً من الأطفال وصغار السن، وليخلّف وراءَه نسبة أكبر من المصابين بإعاقات عصبية مستديمة، كنوبات التشنج، وفقدان السمع والبصر، والتلف العصبي، وتدهور القدرات العقلية والذهنية. ويتميز التهاب السحايا البكتيري بطبيعته الوبائية، أي بقدرته على التسبب في أوبئة ينتشر من خلالها بسرعة كبيرة بين الأفراد والشعوب والمجتمعات، مع قدرته على تخطى الحدود الجغرافية والسياسية بسهولة، حيث يقدر أن في أفريقيا وحدها يعيش نصف مليار شخص معرضين للإصابة بالمرض، مما يجعل التهاب السحايا البكتيري قضية صحية خطيرة على المستويين الوطني والدولي.

وأمام هذا الوضع، قامت في بداية الأسبوع الجاري شبكةٌ كبيرةٌ من المنظمات العاملة في مجال الصحة العامة، ومن الجهات المساندة، بالخروج باستراتيجية دولية مشتركة، عنوانها «خارطة الطريق العالمية لدحر التهاب السحايا بحلول 2030». ونذكر على سبيل المثال من بين هذه المنظمات التي شاركت في وضع هذه الاستراتيجية، المركز الأميركي للتحكم في الأمراض ومكافحتها، واليونيسيف، ومنظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة الصحة العالمية، ومؤسسة بيل وميلندا جيتس، وكلية لندن للطب الاستوائي، ومؤسسة أبحاث التهاب السحايا، وغيرها الكثير.

ويدل هذا التحرك على درجة اهتمام المجتمع الدولي بهذا المرض، ومدى إدراك الخبراء والمتخصصين بخطورة التهاب السحايا، في ظل حقيقة أن مئات الآلاف من البشر يلقون حتفهم بسببه سنوياً، ويصاب أضعاف هذا العدد بإعاقات مستديمة مدى الحياة، إذا ما كتب لهم أن ينجوا بأرواحهم منه. وترتكز الاستراتيجية الدولية الجديدة على عدة ركائز، من أهمها زيادة التغطية التطعيمية، مع تطوير أنواع جديدة من التطعيمات أرخص سعراً، وبالتزامن مع رفع مستوى الإجراءات الوقاية، وكفاءة ونوعية الاستجابة للأوبئة المحلية. هذا بالإضافة إلى الإسراع في تشخيص الحالات المشتبه بها، وتوفير العلاج الكافي للحالات المصابة، لوقف انتشار الميكروب بين أفراد المجتمع. وبالطبع، كل هذا لن يمكن تحقيقه، إلا في ظل توفر نظم معلوماتية حديثة، تساعد على توجيه جهود المكافحة والوقاية، وما هو متوفر من مصادر مالية وفنية، في الاتجاه الصحيح.

*كاتب متخصص في الشؤون الصحية والعلمية