في مقال سابق أشرنا إلى مشروع الدولة الاتحادية في دولة الإمارات العربية المتحدة عقد شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص لتوفير 75 ألف فرصة عمل للمواطنين للعمل في القطاع الخاص مع توفير الدولة لحوالي 24 مليار درهم لدعم المشروع.

وقد وردت الكثير من التساؤلات حول الأهداف بعيدة المدى لهذه العملية الكبرى الرامية إلى توظيف المواطنين في القطاع الخاص، وهل هي تهدف إلى توطين كافة الوظائف في البلاد على مدى زمني محدد ووفقاً لخطة مدروسة تصب نهاياتها في هذا السياق. عمليات التنمية المتسارعة ضمن خطط التنمية الشاملة المستدامة تحتاج إلى ملايين البشر لتنفيذها، وهناك العديد من المهن المهمة التي لا يمكن توطينها بسهولة ضمن المائة سنة القادمة على الأقل، دع عنك جانباً أن الدولة تسعى إلى توفير الحياة الكريمة لمواطنيها بعيداً عن المساس بمصالح كافة المقيمين على أرضها، فهي أرض خيرة معطاء وتسع الجميع فلا ضرر ولا ضرار.

وعلى أية حال، دولة الإمارات في هذه المرحلة، وهذا الوقت بالذات الذي يتعرض فيه الاقتصاد العالمي واقتصادات العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء لهزات عنيفة، تنعم باقتصاد متين وتتميز بعناصر مهمة تضعها في وضع مرموق يجعلها مختلفة عن غيرها من الدول، فهي تتميز باقتصاد متنوع وبمصادر للدخل متعددة وبوفرة ملحوظة في الإمكانيات المالية المتواجدة لديها مقارنة بعدد سكانها من المواطنين، وبكونها أرضاً تضم بشراً من جميع دول ومناطق العالم وبلا استثناء أو إقصاء لأي جنسية أو قومية أو عرق، ما يجعل منها أرضاً جاذبة لجميع بني البشر الذين يعيشون على ترابها ويحظون بمعاملة كريمة تليق بمستوى الإنسان الذي كرمه الله على سائر مخلوقاته.

يشير دستور الدولة الاتحادية في المادة 24 من الباب الثاني إلى أن الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية وقوامه التعاون الصادق بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين في حدود القانون، ويشجع الاتحاد التعاون والادخار.

وفي سياق ذلك قامت الدولة بإجراء بحوث ودراسات من خلال جهات ومراكز متخصصة تهدف إلى تقوية هذا الجانب التعاوني المثمر بينها وبين القطاع الخاص وإلى تنويع الموارد الاقتصادية، وتوجيه ما لديها من مدخرات مالية نحو دعم النشاط الاقتصادي الخاص بجميع جوانبه وفروعه الصناعية والزراعية والتجارية والمالية، وذلك إيماناً منها بأن الاقتصاد هو عصب الحياة في زماننا هذا وفي كل زمان ومكان آخر منذ خلق البشرية، وبأن هذا هو ديدن وأسلوب الأمم المتقدمة في دعم اقتصادها وشعوبها.

ويأتي مشروع دعم عمل المواطنين في القطاع الخاص على مدى السنوات القادمة ضمن مشاريع الخمسين التي طرحتها القيادات السياسية العليا في الفترة القليلة الماضية كمشروع رائد تعمل الدولة على تنفيذه لكي تدمج كافة الأطراف العاملة في البلاد في الاقتصاد الوطني.

فعلى ضوء التقدم الهائل في البلاد والارتقاء المذهل الذي تشهده لا بد لمواطنيها أن يستفيدوا من ذلك أقصى استفادة، خاصة بالنسبة لسوق العمل في القطاع الخاص، حيث لا تزال حصة المواطنين منه متدنية رغم عديد من المحاولات لرفعها من قبل الجهات الحكومية المختلفة، ولم يتحقق المرجو منها بسبب تدني الأجور نسبياً في هذا القطاع مقارنة بما هو متواجد منها في القطاع العام والشركات الحكومية التي تعمل على أساس من كونها خاصة لكن تملكها الدولة أو أنها مساهمة وتملك الدولة النصيب الأكبر من أسهمها.

مشروع دعم رواتب العاملين المواطنين المنخرطين في القطاع الخاص هو مشروع رائد وغير مسبوق، ربما على مستوى العالم، وهو باكورة مشاريع الخمسين الرائدة التي ستخدم بلا شك الوطن والمواطنين.

* كاتب إماراتي