تواجه سريلانكا أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حيث باتت على شفا العجز عن تسديد دينها السيادي. على أن الوضع من المتوقع ألا يزداد إلا سوءاً في وقت تتسبب فيه الأزمة في أوكرانيا في ارتفاع الأسعار وضخ حالة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي الذي يعاني أصلاً من الجائحة. 

وبالنسبة لسريلانكا، تتعلق الأزمة الحقيقية أيضاً بما إن كانت تستطيع تسديد الديون الخارجية هذا العام في وقت تقلصت فيه احتياطاتها من النقد الأجنبي إلى ما تحت مليار دولار. والحال أن البلاد سقطت في فخ ديون حيث باتت الحكومة تنفق نقدَها الأجنبي على تسديد الديون، ويستخدم البنك المركزي احتياطات النقد الأجنبي لدعم الروبية السريلانكية. وتجد سريلانكا نفسها في هذا الوضع بسبب مجموعة من السياسات الحكومية، إضافةً إلى وباء كورونا الذي أثّر سلباً على السياحة التي تُعد مورداً رئيسياً للنقد الأجنبي في البلاد. وفضلا عن ذلك، ساهم ارتفاع الإنفاق الحكومي والخفض الكبير للضرائب في تقلّص عائدات الحكومة، إضافة إلى تسديدها ديوناً كبيرة للصين، كما وضع انخفاض احتياطات النقد الأجنبي سريلانكا في أزمة خطيرة.
ومما ساهم في إضعاف أمن سريلانكا الغذائي أيضاً قرار في مايو الماضي يقضي بحظر استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية في مسعى لجعل الزراعة السريلانكية عضوية بالكامل. غير أن كل ما فعله ذلك القرار هو أنه أرغم المزارعين على التحول إلى الزراعة العضوية وأثّر بشكل سلبي على الزراعة. ذلك أن الكثير من المزارعين المعتادين على استخدام الأسمدة والمبيدات وجدوا أنفسهم فجأةً عاجزين عن محاربة الأعشاب الضارة والحشرات، ما تسبب في تقلص الإنتاج الزراعي، ونتيجة لذلك، استفحلت أزمة الطعام أكثر. كما ارتفع التضخم في وقت عمدت فيه الحكومة إلى طباعة المال من أجل تسديد القروض الداخلية. وإضافةً إلى ذلك، اضطرت الإدارة السريلانكية إلى اتخاذ خطوات متطرفة من أجل منع انهيار الاقتصاد وتفادي نقص الطعام. 

وكان الرئيس السريلانكي جوتابايا راجاباكشا قد أعلن في سبتمبر العام الماضي عن حالة طوارئ اقتصادية، ما سمح للحكومة بالسيطرة على توريد المواد الغذائية الأساسية. كما سمح للحكومة بمواصلة التحكم في أسعار المواد الغذائية للسيطرة على ارتفاع التضخم. غير أن بعض التقارير تشير إلى أن البلد سجل أعلى تضخم في آسيا في شهر فبراير الماضي، حيث ارتفعت الأسعار بـ15.1 في المئة مقارنة بالعام السابق. على أن هذه ليست كل الخطوات التي اضطرت الحكومة لاتخاذها وسط مشكلة ميزان مدفوعات خطيرة، ففي الشهر الماضي أعلنت وزارة الطاقة عن انقطاعات يومية للكهرباء لمدة سبع ساعات ونصف الساعة، لأن البلاد لم تستطع شراء النفط اللازم لتوليد الكهرباء بسبب نقص النقد الأجنبي. ذلك أن هذا البلد الواقع في جنوب آسيا كان في حاجة إلى توفير 31 مليون دولار من أجل شحنة وقود قدرها 3700 مليون طن من الوقود. وعلاوةً على ذلك، باتت البلاد تجد صعوبةً كبيرةً في تسديد فواتير النفط. 
وفي هذا الشهر، أعلنت الحكومة أن انقطاعات الكهرباء ستتوقف رغم عدم الوضوح بشأن ما إن كانت قد تمكنت من جمع أموال لشراء النفط. وفي غضون ذلك، أفادت وسائل إعلام دولية بأن انقطاعات الكهرباء المذكورة تُعد الأطول في سريلانكا خلال 26 عاماً الماضية. وكل هذا يعني معاناة اقتصادية للشعب السريلانكي في شكل طوابير انتظار طويلة في محطات الوقود وعند شراء الضروريات اليومية من الحليب إلى الأدوية. وفي الأثناء، يتفاقم الوضع ويتطور إلى أزمة إنسانية، إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن 500 ألف شخص انتقلت أوضاعهم إلى ما تحت خط الفقر منذ بداية الوباء. لكن إمكانية تخلّف سريلانكا عن تسديد ديونها ازدادت الآن في وقت رفضت فيه الحكومة الاعتراف بأنها توشك على التخلف عن التسديد وبأنها قد تضطر إلى التوجه نحو صندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة.
وفي الأثناء، تسعى الهند لمساعدة سريلانكا خلال هذه الأزمة. ففي أوائل فبراير الماضي، وفّرت الهند خطاً ائتمانيا بقيمة 500 مليون دولار من أجل تأمين واردات سريلانكا من الوقود. وجاء هذا الدعم بعد لقاء عن بُعد عقده وزير الخارجية الهندي جاي شانكار ووزير المالية السريلانكي باسل راجاباكسا في يناير الماضي. كما أرسلت الهند 40 ألف طن من الوقود إلى سريلانكا في فبراير قصد المساعدة على تخفيف أزمتها.
الأزمة كان لها أيضاً تأثير على الحكومة نفسها. فقد أقال الرئيس السريلانكي وزيرين في حكومته هما أودايا غامان بيلا الذي كان وزيراً للطاقة، وويمال ويراوانسا الذي كان وزيراً للصناعة. وكان كلاهما قد انتقدا وزير مالية البلاد الذي هو شقيق الرئيس، واتهماه بالتسبب في الأزمة الاقتصادية الحالية. وواضح أن الأمر يتعلق بأزمة كبيرة تواجه الحكومة، وهناك الآن حالة من عدم اليقين بشأن ما إن كانت البلاد ستستطيع التحمل والصمود. لكن من الواضح أن الأزمة الأوكرانية تمثل انتكاسةً لهذا البلد الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على السياحة، والذي كان يأمل في استعادة بعض النقد الأجنبي مع إعادة فتح القطاع السياحي.

رئيس مركز الدراسات الإسلامية -نيهودلي