ارتبطت الأم منذ الأزل ببناء الحضارات وتقديمها، وسعت إلى أن ينعم أبناؤها بالحياة الآمنة والمطمئنة.

وللأم في الإسلام مكانة سامية، وهي وصية رسولنا الكريم: «أمك ثم أمك ثم أمك»، وهي المدرسة التي تغني بها الشاعر في قصيدته الخالدة، وهي في كل الحضارات الإنسانية رمز للوفاء والحب والسلام، ففي مصر القديمة احتفوا بالملكة «ايزيس» رمزاً للأم، واحتفى الرومان والإغريق بالأم «ايزيس» رمزاً للقداسة والسمو، واحتفل اليونانيون بالأم كسائر الحضارات الإنسانية، واختاروا الربيع رمزاً لاحتفاء يجمع بين الأزهار بعطرها وجمالها وبين الأم بكل ما ترمز له من قيم ومشاعر سامية وخالدة.

وفي بداية القرن التاسع عشر، دعت الناشطة المدنية «جوليا وارد» للاحتفاء بهذا اليوم وأطلقت عليه «إعلان عيد الأم من أجل السلام»، ودعت إلى الاحتفاء بهذا اليوم تكريماً للأمهات اللاتي فقدن أبناءهن في الحرب الأهلية.

ورغم الرفض الكبير الذي واجهته دعوتُها وإعلانُها، فقد استمر نضالها من أجل تكريم الأم، وهو ما أثمر بقيادة الناشطة الحقوقية والمجتمعية «آنا جارفيس» باعتماد يوم الحادي والعشرين من مارس عيداً قومياً ووطنياً للاحتفاء بالأم، وجعله عطلةً وطنيةً تخصص لتكريم الأم والتعبير عن الاحترام والتقدير لها، ولدورها في تحقيق نهضة المجتمع ونموه وتَقدّمه، وعلى الصعيد العربي كانت المبادرة بإعلان الرئيس جمال عبدالناصر الاحتفال بعيد الأم في الحادي والعشرين من مارس 1956.

وتتفرَّد التجربة الوطنية في الإمارات في الاحتفاء بيوم الأم؛ فعدى عن كونها مناسبة اجتماعية للتعبير المجتمعي والرسمي عن التقدير والاحترام لدور «الأم الإماراتية»، وإسهامها في بناء دولة الإمارات الحديثة والمتقدمة، وجهودها التي شاركت بفاعلية كبيرة في نهضة الإمارات وريادتها عالمياً، لا سيما جيل الأمهات الأوائل اللواتي تحمّلن المسؤولية الكبيرة بإسهاماتهن العظيمة منذ تأسيس الدولة، حيث سطرن بتضحياتهن قصصاً تُحكى وتاريخاً يُروى.

فقد تصدَّرت الأم الإماراتيةُ المشهدَ الوطني بتحملها مسؤولية التعليم والصحة والتمريض والأمن، وأخذت على عاتقها تربية جيل وضع الدولة في صدارة اهتماماته وغاياته، وتشبَّع بالولاء والانتماء لهذه الأرض ولقادتها وشعبها، وانطلق في مسيرته الوطنية لتحقيق الريادة العالمية للدولة، ولتصبح الإمارات بعد خمسين عاماً من التأسيس إحدى أكثر الدول تقدماً ونمواً وتطوراً بفضل جهودها وعملها وتضحياتها التي سطرتها عنواناً لمرحلة مهمة في التاريخ الوطني للدولة، حيث أصبحت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، إلهاماً لها، وتعبيراً جميلاً يجمع كل جهود وإسهامات المرأة الإماراتية، التي كانت تستمد من سموها إلهامَها وتتشارك معها غاياتها.

وإذ تحتفي الإمارات هذه السنة بالمسيرة العظيمة لـ«الأم الإماراتية»، فإن الأم الإماراتية نفسَها تحتفي بأجيالها من الأمهات الشابات اللواتي تربين في أكنافها قبل عقود، وقد أصبحن علامات بارزة في مسيرة ونهضة وتنمية الإمارات وتقدمها؛ فهي الأم الوزيرة التي تتحمل مسؤولياتها في بناء الدولة وإدارة شؤونها، وهي الأم التي تسهم بجهودها في التشريع والرقابة داخل المجلس الوطني، وهي التي تتحمل المسؤولية في قطاعات القضاء والعدل والأمن والصحة والتعليم والاقتصاد والبيئة.. وهي اليوم تتبوأ بكل فخر وشموخ رئاسةَ مجلس الأمن الدولي الذي هو أعلى هيئة دولية، وتدير برنامجَ الإمارات لاستكشاف الفضاء وسبر أغواره. فتحيةَ احترامٍ وتقديرٍ لأم الإمارات الشيخة فاطمة بنت مبارك، وتحية لكل الأمهات على أرض الإمارات في يوم الأم.

*كاتبة إماراتية