كان لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب قصب السبق في وصف الكتاب بالبصيرة، حيث خصص المعرض جناحاً خاصاً، أُطلق عليه «الكتاب بصيرة»، لتجديد ذكرى عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، الشخصية المحورية للدورة الحادية والثلاثين، عن طريق تنظيم ندوات فكرية وثقافية وأدبية لدراسة التراث الأدبي والفكري الذّي خلفه العميد، وتحليله، وإلقاء الضوء على دوره في إثراء الثقافة والأدب العربي، وتعريف الناشئة بفكره التنويري وجهاده المعرفي. والفكرة التي يريد المعرض ترويجها هي أنّ الكتاب كان بالنسبة لعميدنا - باعتباره قارئاً نهماً ومؤلِفاً رائداً - بصيرة جعلته يحيا في جزيرة من النور، برغم فقده البصر منذ الصغر، ليخلّف بعد رحيله منارات أدبية وفكرية مضيئة.

وهكذا، يجوز أنْ نُسمي دور النشر المشاركة في المعرض، التي ناهز عددها الألف، وتنتمي إلى ثمانين دولة، بأصحاب البصائر. وقد رفد إحداها، وهو «مركز تريندز للبحوث والاستشارات»، المعرض بعشرات البصائر والإصدارات البحثية المتنوعة، ودشن مرجعاً جديداً باللغة الإنجليزية ينتمي إلى الصناعات الفكرية الثقيلة عن الإخوان المسلمين بعنوان «الطريق إلى الخلافة.. حقيقة المشروع الإخواني»، وشارك في أهم ندوات المعرض الفكرية، التي نظمها مجلس حكماء المسلمين، عن مواجهة خطاب الكراهية.

وعلاوة على ذلك، فقد أثرى مركز «تريندز» المعرض بفعاليات ثقافية تراوحت بين ندوة عن العلاقات الثقافية الألمانية-الخليجية، وخلوة بحثية عن دور الأديان في صنع السلام، ومحاضرة وحلقة نقاشية عن أصول البحث العلمي.

وقد شهد المعرض تدشين تحالف ثلاثي ناعم بين راعيه الفضي، مركز تريندز، وكل من صحيفة الاتحاد وشركة توزيع للطباعة والنشر، لدعم جهود نشر المعرفة في العالم العربي وما وراءه. والحديث عن التحالفات الناعمة يقودنا إلى الإشارة إلى ترسيخ المعرض للتحالف الثقافي بين دولة الإمارات وجمهورية ألمانيا، حيث تشارك الأخيرة للعام الثاني على التوالي، باعتبارها ضيف شرف في معرض أبوظبي الدولي للكتاب. وتستقطب فعاليات المعرض المتنوعة، والتي تستمر حتى 29 مايو الجاري، أكثر من ألف متحدثٍ، ينتمون إلى أربعين دولة حول العالم، يثرون الزاد المعرفي للمعرض ويغنون التفاعل الثقافي بين الشعوب، عبر مجموعة واسعة من الجلسات الحوارية والندوات والأمسيات الفكرية. وهكذا، يستحق معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الحالية أن يُطلق عليه «معرض البصيرة والتحالف الناعم». والحق أنّ المعرض يُضيف إلى قدرات القوة الذكية لدولة الإمارات، بما تتضمنه من قدرات ناعمة وأخرى اقتصادية.

فمن ناحية، يُعد المعرض أقوى المنصات الرئيسية ترويجاً لمكانة أبوظبي في استضافة الفعاليات الثقافية الدولية، ولكونها مركز جذب سياحي عالمي، وفرصة لصنع صورة إيجابية عن دولة الإمارات وإلقاء الضوء على التنوع الثقافي والتسامح فيها، والتمكين للغة العربية بما يُسهم في تعزيز الهوية الوطنية، بالإضافة إلى الأثر الاقتصادي المباشر وغير المباشر للمعرض، ولا سيما في صناعة النشر، وتنمية الأداء الاقتصادي للقطاعات المرتبطة به، مثل الشحن والفنادق والطيران والطباعة وغيرها.

مركز تريندز للبحوث والاستشارات ـ