لقد صدر الحكم: عمال لندن يستمتعون بالعمل من البيت ويقدّرونه ولا يرون مستقبلاً يشتمل على عودة إلى أسبوع العمل القديم لخمسة أيام في الأسبوع في المكتب، بغض النظر عما يقوله السياسيون أو رؤساؤهم أو وسائل الإعلام. ووفق تقرير نشره الأسبوع الماضي معهد «بوليسي إنستيتيوت» في جامعة كينج كوليدج لندن، فإن قرابة 80% من الموظفين العاملين في لندن الذين يعملون الآن عن بعد مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، يقولون إن التجربة كانت جيدة بالنسبة لهم. ويقول أربعة من أصل خمسة مستجوَبين إن العمل من البيت يساعدهم على الشعور أكثر بأنهم في حالة تحكم، وإنهم سعداء بتقليص رحلاتهم المكوكية اليومية بين البيت ومكان العمل. كما يقول الثلثان إن ذلك ساعدهم على تدبير المسؤوليات العائلية والمنزلية بشكل أفضل. 
مؤسسة «يوغوف» استطلعت آراء 2015 شخصاً يعملون في لندن لحساب دراسة جامعة كينج كوليدج، وكان بينهم أشخاص يعيشون خارج المدينة ويسافرون إلى مكان العمل. ويقول باحثو «كينج كوليدج» إن الدراسة هي الأولى من نوعها التي تركز على تأثير تغير أنماط العمل بشكل محدد. 
خلاصات الدراسة تدعم تجارب العاملين في المكاتب عبر العالم، والذين يواصل الكثير منهم العمل من البيت عدة مرات في الأسبوع رغم انحسار تهديد «كوفيد-19». 
وتأتي دراسة «كينج كوليدج» في وقت يبدأ فيه الموظفون عبر المملكة المتحدة تجربةً رسميةً على مدى ستة أشهر تتمثل في الاشتغال لأسبوع عمل من أربعة أيام فقط. وسيشارك في هذه التجربة أكثر من 3 آلاف عامل من 70 شركة، دون فقدان أي جزء من الراتب، في ما يقول المنظمون إنها أكبر تجربة من نوعها تحدث في العالم. 
وفي هذا الإطار، يقول مارك كلينمان، أستاذ السياسة العامة في جامعة كينج كوليدج: «على الرغم من كل التركيز السياسي والإعلامي على ما إن كان العمل من البيت يعني العمل بجدية أقل، فإن معظم الناس يختلفون مع هذا الرأي، بغض النظر عن الانتماء السياسي أو السن أو الأقدمية».
هذا وقال ثلاثة من أصل كل خمسة مستجوَبين إن رد فعلهم سيكون سلبياً إن أُرغموا على المجيء إلى المكتب مرات أكثر، رغم أنه ما زال لديهم شعور إيجابي بشأن مكاتبهم ولا يجدون صعوبةً في إنجاز عملهم هناك. ومن بين أكبر مزايا العمل من البيت هناك تفادي التنقل المكوكي، وإدارة المسؤوليات المنزلية، والإحساس بشعور أكبر بالتحكم. 
وتقول كريستين آرمسترونج، وهي باحثة في قضايا العمل من لندن لم تشارك في دراسة كينج كوليدج: «لقد نشأ مجتمعنا مع فكرة أن هناك شخصاً في البيت يدير المنزل وشخصاً آخر يكسب المال». 
ولكن ليس كل الاتجاهات تبدو إيجابية. إذ يميل ثلثاً الأشخاص الذين شملتهم الدراسة إلى الاتفاق على أن سياسات العمل عن بعد ستضر على نحو غير متناسب بالمسار المهني للشباب. وبالمثل، يرى 50% من المدراء أن القادة الكبار يعملون بشكل منتظم من البيت، في حين أن 27% فقط يشعرون بأن مدراءهم يشجعونهم على القيام بالشيء نفسه. 
وتقول آرمسترونج: «إن رغبة إيلون ماسك في أن يذهب الناس إلى المكتب لا تشكّل مفاجأةً. فذاك ليس هو العالم الذي يعيش فيه»، مضيفةً: «هناك عدم تواصل في بعض المنظمات بين المدراء الكبار الذين كان كل شيء يعمل على ما يرام بالنسبة لهم والأجيال الأصغر سنا». 
وبعيداً عن العمل اليومي، ثمة اتفاق أقل حول مستقبل لندن نفسها، إذ انقسم المستجوَبون بالتساوي تقريباً حول ما إن كانت جودة الحياة في وسط لندن ستكون في خطر في حال لم تمتلئ أماكن العمل إلى مستويات ما قبل الوباء. واللافت هنا أن العمال الأكبر سناً أكثر ميلاً إلى أن يكونوا متشائمين. 
لكن شعبية العمل عن بعد لا تعني أن العمال يكرهون مكاتبهم اللندنية. إذ تُظهر الدراسة أن ثلثي الموظفين تقريباً لديهم شعور إيجابي إزاء الذهاب إلى مكان العمل، في حين يشعر 15% فقط بشعور سلبي في الذهاب إلى هناك. 
ووفق تارا ريتش، أستاذة السلوك التنظيمي وإدارة الموارد بكلية الأعمال التابعة لجامعة كينج كوليدج، فإن حجم أيام العمل في المكتب هو الذي يلعب الدور الأكبر في رضا الموظفين إذ تقول: «لقد منحت فرصة العمل من البيت العديدَ من عمال لندن شعوراً بالتحكم يبدو أنهم حريصون على عدم التخلي عنه». 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»