منذ أن أسرعت إندونيسيا في تنفيذ خططها العام الماضي لتحقيق الحياد الكربوني، توجه جمعٌ من مبعوثي المناخ من الدول المتقدمة إلى الأرخبيل، وقدموا المساعدة والمعونة المالية مقابل التزام أكبر مصدر للفحم في العالم من حيث الوزن بالتخلص التدريجي من طاقة الفحم. ويأمل مسؤولون من الولايات المتحدة وأوروبا في التوصل لاتفاق بحلول نوفمبر مع استضافة إندونيسيا لقادة مجموعة العشرين في بالي. وهذا قد يشكل علامة فارقة في الجهود العالمية لخفض الانبعاثات، ويوفر زخماً لقمة المناخ السابعة والعشرين التابعة للأمم المتحدة في مصر في الشهر نفسه. 
وهذا هدف طموح. فالفحم يولد نحو 60% من الكهرباء في إندونيسيا، وحقق الوقود الأحفوري ثروة لبعض نخب رجال الأعمال الأقوى في البلاد. ورفعت الحرب في أوكرانيا الطلب العالمي، وعززت أسهم وأرباح شركات تعدين الفحم وجعلتها أكثر جاذبية للمستثمرين. وفي الوقت نفسه، تحصل الشركة التي تحتكر توزيع الكهرباء في البلاد على الفحم من محطات طاقة الخاصة بها بسعر مخفض، مما لا يحفزها على التواصل مع موردي الطاقة الجديدة. وتراهن الدول الغنية على أن الاتفاقيات المعروفة باسم «شراكات الانتقال العادل للطاقة» ستساعد في كسر الجمود وتزويد الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري مثل جنوب أفريقيا وإندونيسيا بالتمويل والدعم للإسراع بعملية الانتقال. 
لكن ثلاثة أشخاص من الدول المانحة على دراية بالمحادثات زاروا إندونيسيا هذا العام وعبروا عن مخاوفهم من أن حكومة الرئيس الإندونيسي جوكوي ويدودو منقسمة بشأن الحاجة إلى إنهاء استخدام الفحم. وأعلنت الحكومة الإندونيسية التزاماً قوياً لكبح جماح الفحم وتطوير الطاقة الخضراء. تعهد جوكوي بإغلاق جميع محطات توليد الكهرباء من الفحم في إندونيسيا بحلول عام 2055 والاعتماد بنسبة 100% على مصادر الطاقة المتجددة بعد خمس سنوات. لن تتم الموافقة على أي محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم وهناك خطط لفرض ضريبة الكربون أخيراً في يوليو. وسيكون من الصعب تحقيق هذه الأهداف دون اتفاق مع الدول الغنية، بالإضافة إلى لوائح مفصلة تجبر مستهلكي الكهرباء وشركات التوليد على التحول إلى الطاقة النظيفة. وجاء في دراسة حكومية أن البلاد بحاجة إلى استثمار يتراوح بين 150 و200 مليار دولار في برامج منخفضة الكربون سنوياً حتى عام 2030 أو ما يقرب من 3.5% من الإنتاج المحلي الإجمالي المتوقع، لتحقيق هدف صافي صفر من الكربون. 
وإندونيسيا واحدة من الدول القليلة التي تحركها الموارد والتي يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً في المعركة للحد من تغير المناخ.
وإندونيسيا البلد الذي يُعد أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، لديه رابع أكبر عدد سكان في العالم وهو ثاني أكبر منتج للفحم في العالم. وبدأ إنتاج الفحم في الارتفاع في التسعينيات واستولى المستثمرون المحليون الأقوياء على حصص الأغلبية في بعض شركات التعدين، مما زاد ثروة نخب لامركزية إلى حد كبير. وتوقعت إندونيسيا ازدهاراً في الطلب على الكهرباء، وبدأت في الاستثمار بكثافة في طاقة الفحم، وهو اتجاه استمر في عهد جوكوي. وفي عام 2015، تم تدشين برنامج لبناء 35000 ميجاوات من قدرات الطاقة المتجددة مدعومة إلى حد كبير من خلال 117 محطة طاقة جديدة تعمل بالفحم. وبحلول عام 2020، نما إنتاج الكهرباء أكثر من خمسة أضعاف على مدار ما يقرب من عقدين.

لكن النمو في الطلب لم يواكب ذلك. وحين تُطرح السعة المضافة في السوق فقد تخلق فائضاً في الطاقة بنحو 40%، وفقًا لـ «معهد إصلاح الخدمات الأساسية». وأكبر شبكة في البلاد، وهي تغطي جافا وبالي، لديها بالفعل فائض بنسبة 24% عما تحتاجه، وفقاً لمجموعة تمويل الطاقة الجديدة في بلومبيرج. وقد أدى ذلك إلى انخفاض كلفة طاقة الفحم المحلية إلى أقل بكثير من معدلات السوق الدولية، مما أدى إلى تقلص مصادر الطاقة المتجددة. وتستهدف البلاد تقليص الانبعاثات، في عام 2030، بما يتراوح بين 29% و41% من المستوى الذي ستنمو إليه إذا لم تغير الحكومة أي سياسات. 
وتطلب الحكومة الإندونيسية من مناجم الفحم بيع ما لا يقل عن ربع إنتاجهم محلياً وبأسعار تصل إلى 70 دولاراً للطن الأعلى جودة، مقارنة بالسعر الذي بلغ في الآونة الأخيرة نحو 400 دولار للطن في السوق العالمية. وهذا يعني أن مرفق الدولة للكهرباء يمكنه إنتاج كهرباء من محطات الطاقة الخاصة به بكلفة أقل من تكلفة إنتاج الطاقة الخضراء. ومازال الفحم هو قلب إمدادات الطاقة في إندونيسيا، حيث بلغ الإنتاج مستويات قياسية. حتى مع وقف المشروعات الجديدة، ستضيف محطات الطاقة التي تعمل بالفحم قيد الإنشاء بالفعل 14 جيجاوات أخرى من الطاقة من 2021 إلى 2030. وهذا العام، وضع جوكوي حجر الأساس لأول محطة «تغويز» للفحم (الحصول على غاز من الفحم) في البلاد، ستتكلف 2.3 مليار دولار. 

وأدى الطلب المتزايد من الخارج منذ الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسهم شركات التعدين. ونحو نصف المشرعين البالغ عددهم 575 في البرلمان لهم صلات بقطاع التعدين، وفقاً لـ «شبكة إندونيسيا للدفاع عن التعدين»، التي تحقق في التلاقي بين المسؤولين ورجال الأعمال.

وتستطيع إندونيسيا نظرياً تلبية الطلب العالمي بأكمله على الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وفقاً لدراسة لـ «معهد إصلاح الخدمات الأساسية» العام الماضي، لكن لديها عدد أقل من الألواح الشمسية مقارنة بالنرويج ولم تبدأ تقريباً في الاستفادة من موارد الرياح والطاقة الحرارية الأرضية الوفيرة. وقد تنخفض الكلفة الشاملة لمشروعات الطاقة الشمسية في إندونيسيا نحو 40% إذا كانت مخاطر التمويل والاستثمار مماثلة لتلك الموجودة في الاقتصادات المتقدمة، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. لكن هناك بعض بوادر التقدم. فقد أطلق بنك التنمية الآسيوي العام الماضي خطة بمليارات الدولارات تستهدف مساعدة إندونيسيا والفلبين على وقف عمل 50% من محطات الفحم فيهما خلال العشر أو الخمس عشرة سنوات القادمة. وعلى الرغم من كل العراقيل، يشعر المفاوضون بالتفاؤل نحو إمكانية التوصل إلى اتفاق هذا العام.

فيليب هيجمانز
مراسل شؤون جنوب شرق آسيا في بلومبيرج
دان مورتو
صحفي متخصص في شؤون تغير المناخ وتحول الطاقة في الصين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»