على مدار خمسة عقود تقريباً، تنازعت كندا والدنمارك - بطريقة مهذبة في غالب الأحوال لكن ليس دائماً - على جزيرة هانز، وهي كتلة تبلغ مساحتها 0.5 ميل مربع في قناة كينيدي في مضيق نارس، وليس بها غطاء نباتي ولا حياة برية. والنتوء الصخري – ويطلق عليها «تارتوبالوك» بلغة (الإنويت) - يقع بين جزيرة إليسمير الكندية وجرينلاند، ويتمتع بالحكم الذاتي في الدنمارك. والحزيرة ليست إلا صخرة قاحلة وغير مضيافة في قناة متجمدة في القطب الشمالي. ووصفها أحد الجيولوجيين الذين زاروها بأنها «ليست جزيرة مثيرة للغاية». وحاول محلل قانوني كندي ذات مرة أن يشير إليها على خريطة في عرض بالشرائح كان قد أعده للمشرعين، لكنه أقر بأن حجمها يجعل «من الصعب جدا رؤيتها. وليس لدينا صورة مكبرة لنظهرها لكم». 
الآن، أخيرا، هناك تقارب في النزاع الذي أطلق عليه «حرب الأعلام» أو «حرب الويسكي». فقد وقع مسؤولون من كلا البلدين، وكذلك من جرينلاند، اتفاقاً في الأيام القليلة الماضية لتسوية النزاع طويل الأمد – في آخر خلاف متبقي حول الحدود البرية في القطب الشمالي وتوصلوا إلى حل حكيم لتقسيم الجزيرة إلى قسمين. وتحصل الدنمارك بموجب الاتفاق على نحو 60% من الجزيرة، وكندا تحصل على الباقي. وأعلنت ميلاني جولي، وزيرة الخارجية الكندية، للصحفيين في أوتاوا «اعتقد أنها كانت أكثر الحروب وداً. ويسعدني أن أرى أننا نحلها مع الأصدقاء والشركاء والحلفاء. إنه فوز للطرفين». وصورت كل من كندا والدنمارك الاتفاق «التاريخي» باعتباره مثالاً لكيفية حل النزاعات الحدودية سلمياً، من دون حرب أو مشاحنات قانونية مريرة، في وقت يتعرض فيه النظام الدولي القائم على القواعد لضغوط - في تلميح ضمني إلى الغزو الروسي أوكرانيا. 

وصرح وزير خارجية الدنمارك، جيبي كوفود، قائلاً «بينما نقف هنا اليوم، نرى انتهاكاً صارخاً للقواعد الدولية يتكشف في جزء آخر من العالم. وعلى العكس من هذا، قدمنا كيفية لحل النزاعات الدولية طويلة الأمد سلمياً والعمل وفقاً للقواعد المرعية».
ويعود الخلاف إلى عام 1973 حين كان دبلوماسيون كنديون ودنماركيون يرسمون الحدود البحرية في القطب الشمالي. فقد قسم خط مستقيم رسموه جزيرة هانز شطرين. وترك الدبلوماسيون مسألة ما يجب القيام به حيال ذلك من دون حل. وفي العقود الخمسة التالية، ذهبت القوات الدنماركية إلى الكتلة الصخرية عدة مرات، ورفعت علمها وتركت «مذكرة وقنينة خمر»، لتأكيد مطالبة الدولة بالجزيرة. وذهب الكنديون هناك أيضا، حاملين معهم قنينة ويسكي كندي، وأقاموا علامة حجرية ورفعوا علمهم. 
وفي مناسبة واحدة على الأقل، قام الكنديون بإنزال العلم الدنماركي وإرساله بالبريد إلى كوبنهاجن. ولم يصدر أي تصريح من المسؤولين في كلا البلدين حول مصير قناني الكحول. وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أرسل الدنماركيون فرقاطات مع جنود إلى الجزيرة مرتين، فيما وصفه روبرت هوبرت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كالجاري، بأنه نموذج لدبلوماسية الزوارق الحربية. وأضاف هوبرت «في أي إطار آخر، كان من شأن ذلك أن يؤدي إلى حرب». وأشار مشرعون في كندا من حين لآخر إلى النزاع على جزيرة (هانز) باعتباره مثالاً على تقاعس الحكومة الحالية عن الدفاع عن مصالحها في القطب الشمالي. واتهم أحد المشرعين من حزب المحافظين في عام 2004 الحكومة قائلا «يهبط جنود الدنمارك على أراضي القطب الشمالي الكندية ويرفعون علمهم ويدعون أن الجزيرة ملك لهم، لكن كندا لا تفعل شيئًا. فما مساحة الأراضي الكندية التي يجب أن تدعي قوة أجنبية حقها فيها قبل أن يتحدث (رئيس الوزراء آنذاك بول مارتن) ويدافع عن كندا؟» 

وحدث تصعيد آخر عام 2005، حين ذهب بيل جراهام، وزير الدفاع الكندي آنذاك، بالطائرة إلى جزيرة هانز ليسير على الأرض المتجمدة بنفسه. وأدى هذا إلى صدور مذكرة احتجاج رسمية من المسؤولين الدنماركيين. وصرح بول إريك دام كريستنسن، السفير الدنماركي في كندا آنذاك، لصحيفة جلوب أند ميل: «نود الحفاظ على ما كان عليه الوضع المؤقت، فإذا قام أحد الطرفين بزيارة الجزيرة، يقوم بإخطار الطرف الآخر سلفاً». ودأب الكنديون على التأكيد على أنهم ليسوا في حاجة لفعل شيء كهذا لأنها جزيرتهم. وفي عام 2009، أخبر الأدميرال الدنماركي نيلز وانج لجنة الدفاع بالبرلمان الكندي أن آخر ما سمعه بشأن هذه القضية كان أننا «نتفق على الاختلاف». ومضى وانج، المتقاعد الآن، يقول «على الأقل من وجهة نظر البحرية في الدنمارك، أخبرتنا وزارة خارجيتنا ألا نذهب إلى هناك وألا نرفع أعلاما على الجزيرة بعد الآن». 
وأكد آلان كيسيل، المستشار القانوني لوزارة الخارجية الكندية، للجنة برلمانية أخرى عام 2012 أن البلاد «لن تخوض حربا مع الدنمارك. يمكنني أن أعدكم بذلك. الأمر تحت السيطرة. إنها صخرة، وسنتعامل مع ذلك». وذكرت الحكومة الكندية إنه تم التشاور مع «الإنويت» في جرينلاند وإقليم نونافوت الكندي خلال مفاوضات الاتفاقية التي «تضمن استمرار الوصول إلى الجزيرة بأكملها وحرية التنقل فيها» للصيد والأنشطة الثقافية الأخرى. ويرى هيوبرت - أستاذ العلوم السياسية في جامعة كالجاري- إن هناك احتمالاً «مستبعد إلى حد كبير» بشأن وجود موارد طبيعية مثل النفط والغاز في الجزيرة، لكنه أشار إلى أنه لم تُبذل جهود جادة للبحث. وأضاف أن كندا لديها خلافات أخرى كثيرة لم تُحسم في القطب الشمالي، بما في ذلك نزاع مع الولايات المتحدة حول الممر الشمالي الغربي. وبعد التوقيع على الاتفاق، تبادلت جولي وكوفود قناني الكحول والمذكرات للمرة الأخيرة. ولا لبس بشأن ما يعتزم الكنديون للقيام به تجاه قنينتهم. فقد أكدت جولي إنها ستذهب «مباشرة» إلى المتحف الكندي للتاريخ. 

مراسلة واشنطن بوست في كندا. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»