في تحليل ردود الأفعال الإقليمية والدولية حول الرسالة التي وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني، عاهل الأردن، خلال حديثه لـ «سي إن بي سي» الأميركية، الأسبوع الماضي، بخصوص إنشاء حلف «ناتو» شرق أوسطي، نجد حالة دفعت للعديد من النقاشات والتساؤلات حول طبيعة هذا الحلف، ومن هي الدول التي يمكن أن تشارك فيه، وما هي أغراضه وأهدافه الأساسية؟ ولكني لم أجد أي من التحليلات يستند على الوقائع والحقائق التي يمكن قراءتها بموضوعية وشفافية.

في البداية علينا أن نذكر أن مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني كانت عقب جولة ولي العهد السعودي صاحب السمو  الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود إلى الأردن، والتي تابعها سموه إلى تركيا، ونذكر أيضاً أن تصريحات جلالته جاءت بعد زيارته إلى مصر الأسبوع الماضي، ولقائه بفخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وجلالة الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، وتأتي كذلك بعد إعلان «تل أبيب» عن تحالف للدفاع الجوي المشترك في الشرق الأوسط في مواجهة إيران، كما جاءت أيضاً قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط وعلى أجندته لقاء القادة الإسرائيليين والسعوديين، والمشاركة في قمة لمجلس التعاون الخليجي في السعودية، التي تضم الإمارات والبحرين وسلطنة عُمان والكويت وقطر، وقد تشارك فيها مصر والأردن والعراق، لذلك لا بد أن تحمل هذه الزيارة في طياتها موضوعات أساسية منها زيادة الإنتاج النفطي، وكذلك تقريب وجهات النظر بين الأشقاء السعوديين وبين الإسرائيليين لفتح بوابة السلام من جديد.

هذه المؤشرات تدعونا للعودة إلى العام 2002 حين أطلق الملك عبدالله بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، «مبادرة السلام العربية» والتي تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود العام 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيلي من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، والتي حظيت بالتأييد العربي آنذاك، والتي قد تكون حالياً المفتاح الرئيسي لبوابة السلام الشاملة وإنشاء حلف «ناتو» شرق أوسطي، وستكون مهمة الرئيس بايدن الأساسية، إقناع الإسرائيليين بهذه الفرصة التاريخية، التي ستعيد التوازن للعلاقات في الشرق الأوسط، وتمنح الفرصة لشعوبها للتطلع نحو المستقبل، خاصة في ظل انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية التي قد يطول أمدها، والانسحاب الأميركي من أفغانستان الذي أعاد الحسابات الأمنية في الشرق الأوسط.

إذا صح هذا الرأي، وتوافقت الآراء بشأنه، وحدث المتوقع في السلام السعودي الإسرائيلي، فمن المرجح أن يضم حلف «ناتو» شرق أوسطي، كل من أميركا وتركيا وإسرائيل من ناحية ودول الخليج والأردن ومصر والعراق من ناحية أخرى، وهذه العضوية مشروطة بشكل أساسي، على قبول إسرائيل بحل الدولتين، لكي تكون، كما قال جلالة الملك عبدالله الثاني إنه «يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط مع الدول التي لديها نفس التفكير».

قد لا تكون التوليفة المرجحة لحلف «ناتو» شرق أوسطي تضم دولاً معينة، سواء تلك الدول التي حسمت علاقاتها الثنائية مع دول أخرى، ولم تكن مستقرة أو متوازنة، أو التي ستشترط اشتراطات غير معقولة ويصعب تحقيقها، أو التي قد تتراجع لشأن داخلي يصعب معه الدخول إلى حلف استراتيجي، وقد يكون السبب أيضاً التعارض مع حلف شمال الأطلسي، كأن يُعارض «الناتو» الحالي، اشتراك أميركا أو تركيا، في حلف رديف أو مواز، ويصبح قبول أي منهما، يحتاج إلى المزيد من النقاش والتفاوض. قد يسأل البعض، وما رأي الإمارات في ذلك؟

وسأشرح وجهة نظري، بأن دولة الإمارات العربية المتحدة، لديها رؤية قديمة متجددة، تريد من خلالها بشكل واضح، إنهاء كافة الصراعات في الشرق الأوسط، وتريده بناء واحدا تتطلع شعوبه جميعاً نحو المستقبل، سواء أكان ذلك من خلال إقامة وترسيخ وتعزيز الشراكات والعلاقات الاستراتيجية المتعددة أو الثنائية، أو من خلال التحالفات الاقتصادية والعسكرية، وأنها تسعى لذلك بكل ما لديها من أمل وطموح ورؤى، ما دامت تحقق مصالحها العليا الاستراتيجية وينعم شعبها والشعوب الصديقة والشقيقة والشركة بالأمن والهدوء والاستقرار.

حين يلتئم التوافق حول إنشاء حلف «ناتو» شرق أوسطي، لا أعتقد، أن أهداف الحلف وغاياته ستكون مشكلة أو عائقاً، فمن غير المعقول، أن يتشكل هذا الحلف لمواجهة التهديد الإيراني فقط، كما ورد في معظم التحليلات، بل سيكون حلفاً استراتيجياً لتحصين الإقليم، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ووأد الخلافات الداخلية، وإنشاء منظومة عمل مشترك، وتخليص المنطقة من الإرهاب والفكر المنحرف والمتطرف، ودرء المخاطر وإعادة مسيرة السلام في الشرق الأوسط، إلى مسارها الصحيح.

* لواء ركن طيار متقاعد