واجهت اقتصاداتُ مختلفِ الدولِ الأزماتِ العالميةَ المتتاليةَ والمستمرةَ بإمكانات مختلفة وبقدرات متفاوتة، أدت إلى تأقلم بعضها بنجاح وإلى استمرار معاناة بعضها وإفلاس اقتصادات بعضها الآخر، كالاقتصاد السريلانكي، حيث أعلنت الحكومة هناك رسمياً إفلاس البلاد وعدم قدرتها على تسديد أقساط ديونها، بما في ذلك مشترياتها من مصادر الطاقة، مما أدى إلى العودة لوسائل النقل التقليدية والبدائية. لكن ماذا بشأن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي؟ وأين موقعها بين هذه الدول في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم؟

ومع أن هناك بعض التفاوت في التحديد الدقيق لموقع الاقتصادات الخليجية، فسنقدِّم رؤيةً محليةً خليجيةً بناءً على البيانات المتوفرة والقراءة العامة، حيث يمكن اعتبار الاقتصادات الخليجية بمثابة الضوء وسط العتمة وعدم اليقين لتطورات الاقتصاد العالمي وآفاقه. وبالتأكيد هناك بعض القراءات الخاطئة للاقتصادات الخليجية، بما فيها بعض وجهات النظر الأجنبية، والتي سنشير إليها في نطاق هذا التحليل، فما ينطبق على الكثير من اقتصادات الدول الأخرى، بما فيها تلك التي تشترك معها دول المجلس في السياسات النقدية، كالولايات المتحدة، أو المرتبطة معها بعلاقات تجارية قوية، كدول الاتحاد الأوروبي، لا ينطبق بالضرورة على اقتصاديات دول المجلس التي لها خصوصياتها والتي يجب أخذها بعين الاعتبار.. فالنسخ التلقائي هنا خطأ جسيم.

ولنتناول أهم المؤشرات التي ساهمت في الأزمات الاقتصادية للعديد من الدول الفاعلة، وفي مقدمتها معدلات التضخم المرتفعة في الغرب خصوصاً، والتي لم تشهدها منذ أربعين عاماً، حيث وصلت إلى حدود 10% وما زالت الآفاق غير واضحة بشأن التوقعات المستقبلية الخاصة بها رغم جهود هذه الدول للحد من التضخم، كرفع أسعار الفائدة.

وفي هذا الجانب المهم تعتبر معدلات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي هي الأدنى عالمياً، وهي تتمحور حول 4%، وقد ساهمت في ارتفاع أسعار بعض السلع بنسب يمكن التعامل معها، وهي نِسبٌ معقولة إذا ما قورن ذلك بمعدلات التضخم في المناطق الأخرى. وبالارتباط مع ذلك، فإن العديد من الاقتصادات العالمية، وبالأخص في دول الاتحاد الأوروبي، مهددة بتحقيق نمو سلبي أو بنسب نمو متدنية لا تتجاوز 1% في أفضل الأحوال هذا العام، حيث سيلتهم التضخمُ الجزءَ الأكبرَ من النمو الفعلي المحقَّق.

وفي المقابل ستحقق دول مجلس التعاون الخليجي معدلات نمو مرتفعة جداً تتراوح بين 5.5 و7.5% هذا العام، ففي دولة الإمارات يتوقع المصرف المركزي أن يحقق الاقتصادُ نسبةَ نمو تبلغ 5.4%، أما صندوق النقد الدولي فيتوقع في آخر تقرير له، صدر الأسبوع الماضي، أن ينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 7.6% عام 2022، حيث تدور نسب النمو في بقية دول المجلس في هذا النطاق الذي يعتبر الأعلى عالمياً.

ومع أن جزءاً كبيراً من هذا النمو يرجع الفضل فيه إلى الارتفاعات الكبيرة لأسعار النفط، فإن القطاعات غير النفطية حققت بدورها نسبَ نموٍّ مرتفعةٍ هي كذلك؛ فوفق تقرير صندوق النقد المشار إليه سيحقق القطاع غير النفطي نسبة نمو مرتفعة تبلغ 4.2%.

وإذا ما تم ربط تحليل هذه البيانات الخاصة بالتضخم ومعدلات النمو، فإن الاقتصادات الخليجية غير معرّضة للركود، إذ مع الأخذ بعين الاعتبار نِسب التضخم، فإن معدلات النمو في دول المجلس ستتراوح بين 2 و3.5%، وذلك على عكس الاقتصادات الغربية المعرَّضة للركود أو الركود التضخمي والذي لن يطال اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بأي وجه من الوجوه، إذ لا معدلات تضخم عالية ولا نمو سلبي في دول المجلس، فالتضخم تحت السيطرة والنمو كما رأينا إيجابي وبمعدلات جيدة نسبياً.. مما يعني أن أهم عوامل الركود التضخمي غير متوفرة في دول المجلس، على عكس الدول الغربية.

علماً بأن هناك توقعات بحدوث ركود عالمي سيؤثر في حال حدوثه على أسعار النفط وسينعكس ذلك سلبياً على الاقتصادات الخليجية، مما يعني أن لهذا الوضع الاقتصادي الخليجي المميز أسباباً وعوامل ساعدت في أدائه الإيجابي، يمكننا التطرق لها مستقبلاً.

*خبير ومستشار اقتصادي