يلعب التعاون بين الجامعات والمؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث والفكر الاستراتيجي دوراً مهماً في خدمة المجتمعات ورفعة شأنها، وذلك من خلال التنسيق والبحث المشترك لدراسة التوجهات المستقبلية واستشرافها، ليس من أجل الإحاطة بها ومعرفتها، أو فهم البيئة الاستراتيجية والتخطيط المستقبلي لها، ولكن من أجل المساهمة الفعالة في صناعة المستقبل بما يخدم المصالح الوطنية العليا للدول والبشرية جمعاء. إن التعاون بين المراكز البحثية والجامعات يضفي طابعاً مؤسسياً تكاملياً بين مؤسسات التعليم والتنشئة العلمية.

ففي الوقت الذي تقوم فيه الجامعات بتأسيس الطلاب وتضع اللبنة الأولى لتأهيلهم النظري والعملي، وتعدهم إلى الانطلاق إلى فضاء رحب واسع متعدد المجالات العملية، فإن المراكز البحثية تعتبر حلقة الوصل التي تربط بين التأهيل الأكاديمي والجانب التطبيقي العملي والتنفيذي، الذي يساعد على ترسيخ الشخصية العلمية، وصقلها بمزيد من المهارات والقدرات الفردية التي يتم من خلالها إحداث نقلة تحديثية كبيرة، وملاحقة التطورات المعرفية الجارية في العالم. كما يُعدّ التعاون بين المراكز والجامعات أداة مهمة في بناء الوعي المجتمعي، خاصة إذا ما تمتع هذا التعاون بشبكة من العلاقات، والتشبيكات، والتوأمة مع المراكز الإقليمية والعالمية، التي من خلالها يتم تبادل الخبراء والخبرات العلمية الجديدة. ولا شك في أن مراكز الفكر والبحث تعمل على ربط وإقران النشاط العلمي والمعرفي باحتياجات الفرد والمجتمع معاً.

كما أنها تعمل على زيادة الكفاءة الأمنية والغذائية والصحية، وزيادة الثروة الوطنية والإنتاج والدخول، ومحاربة الفقر، وتطوير الصناعات، وإعداد وبناء المشاريع العمرانية، وتنمية الخبرات الفنية وبناء القدرات والتنمية البشرية، وربط العملية التعليمية بسوق العمل، ومواكبة التطور التقني، ومواجهة المخاطر والتهديدات، واستشراف المستقبل. ومن أهم نتائج التعاون العلمي بين المراكز والجامعات:

أولاً- تحليل الواقع المُعاش، وتقديم رؤى مستقبلية من أجل النهوض بواقع جديد أو تطوير الواقع الحالي إلى مستوى أفضل، وفق مرجعيات أكاديمية واستراتيجية بعيداً عن النظرة الأحادية، وهو ما دفع بعضهم إلى تسمية هذه المراكز بـ «خزانات التفكير الاستراتيجي».

ثانياً: تقديم الخطط والاستراتيجيات المبنية على أسس علمية مدروسة من أجل اتخاذ القرارات السليمة. ثالثاً: اكتشاف المشكلات قبل وقوعها، ومن ثَمّ التهيؤ لمواجهتها أو حتى لقطع الطريق عليها والحيلولة دون وقوعها، وبذلك تؤدي مراكز الدراسات الاستراتيجية وظائف الإنذار المبكر، والاستعداد المبكر للمستقبل، للتحكم فيه أو - على الأقل - للمشاركة في صنعه. وانطلاقاً مما سبق، وإيماناً منهما بدورهما المجتمعي، فقد قام مركز تريندز للبحوث والاستشارات وجامعة الإمارات بتفعيل الشراكة الاستراتيجية بينهما، بحضور معالي زكي أنور نسيبة الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات، والدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي للمركز. كما أطلق الجانبان 11 مبادرة علمية مشتركة تتعلق بالتعليم والذكاء الاصطناعي، والجانب التدريبي لطلاب جامعة الإمارات، ودعم أساتذة الجامعة عبر ترجمة أبحاثهم للغات العالمية المختلفة، وإطلاق برنامج أبحاث الطلبة، وبرنامج تدريبي عن الدبلوماسية والبروتوكول لموظفي الجامعة، وتنظيم منتدى مشترك بعنوان «حصاد الطاقة وتخزين الكربون»، وإعداد دراسات مشتركة حول الأمن المائي والتوجهات البحثية في دولة الإمارات، ومشاركة المركز كراعٍ في المؤتمر الدولي الثاني «إدارة واستدامة الموارد المائية»، وغيرها من المجالات المختلفة.

إن إطلاق هذه المبادرات من جانب مركز تريندز وجامعة الإمارات يحقق الأهداف الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يعزز تكامل الأدوار البحثية والأكاديمية، ويرفد المجتمع المعرفي الإماراتي بكفاءات بحثية شابة وطنية قادرة على مواكبة التطورات والمستجدات المستقبلية. كما يعمل على إعادة النظر في ربط العملية التعليمية بسوق العمل والإنتاج، وتوفير قدرات وطنية مؤهلة بدرجة عالية من الكفاءة جاهزة لقيادة وصناعة المستقبل.

* مركز تريندز للبحوث والاستشارات.