في إطار مشاركة دولة الإمارات الأرفع مستوى بأضخم جناح وأكبر وفد في تاريخها، في المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب27» بمصر، وبمراجعة جهود الدولة في مكافحة التغير المناخي والطاقة النظيفة والمتجددة، يُسيطر عليّ تساؤلٌ مؤداه: كيف أصبحت دولة الإمارات قوة معيارية في العمل المناخي؟

وقد جاءتني الإجابة في كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، خلال فعاليات الشق الرئاسي من «كوب27»، حيث حدد سموه معايير عدة للتعامل مع تحديات التغيرات المناخية في العالم. ولعمري، إن هذه المعايير تؤسس بها دولة الإمارات لنفسها دور القوة المعيارية في مجال تغير المناخ.

وتتلخص هذه المعايير في: (1) تغير المناخ قضية أمنية دولية، تؤثر على الاستقرار والأمن في العالم، وتتطلب «توحيد الجهود الدولية لمواجهة تحدياته والحد من تداعياته»، (2) تغير المناخ يؤثر في مستقبل الأجيال القادمة، الذي يتشكل بـ«القرارات والإجراءات التي نتخذها اليوم»، (3) التحدي البيئي «فرصة للابتكار وإيجاد الحلولِ وتنويع الاقتصاد»، (4) الارتباط الوثيق بين ضمان أمن الطاقة والعمل المناخي، (5) مشاركة الجميع، بما في المرأة والشباب، من جميع أنحاء العالم، و«حشد طاقاتهم وتحفيز شغفهم الكبير لإيجاد حلول مستدامة».

ولا تقتصر القوة المعيارية لدولة الإمارات في قضية تغير المناخ على وضع المبادئ لتحفيز دول العالم على حماية البيئة وصيانتها وإعلان التعهدات بتعزيز التنمية المستدامة وحسب، وإنما تُترجم هذه القوة المعيارية إلى مبادرات ومشروعات وشراكات دولية على أرض الواقع. فباستثماراتها الضخمة في الطاقة المتجددة في الداخل والخارج، وإنشاء مدينة «مصدر» كأول مدينة تعتمد على الطاقة الشمسية والنظيفة في العالم، أصبحت الإمارات دولةً رائدة في مجال الطاقة المتجددة، وتمكنت من تحقيق المعادلة الصعبة كدولة نفطية كبيرة، ومنصة عالمية قائدة لصناعة مستقبل الطاقة. وتشكل استضافة أبوظبي المقر الرئيسي لـ«الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» (آيرينا) اعترافاً عالمياً بالريادة الإماراتية في هذا المجال.

علاوة على ذلك، أصبحت دولة الإمارات ضمن نخبة الدول التي تُصنع الوقود الحيوي وتوظفه في تشغيل طائراتها المدنية منذ عام 2017. كما أكدت الإمارات ريادتها «النظيفة» من خلال بناء محطات لتحلية المياه تُدار بوساطة الطاقة المتجددة «مشروع غنتوت»، وتزويد «كوب27» بطاقة نظيفة صفرية الانبعاثات. وقد كان إصدار المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 حدثاً مهماً لتأكيد التزام الإمارات بضمان أمن الطاقة مع خفض الانبعاثات الضارة.

كما وقعت الدولة شراكة استراتيجية في الطاقة النظيفة مع الولايات المتحدة، تمتد إلى عام 2035، وتبعتها بتوقيع اتفاقية لإنشاء أكبر مشاريع طاقة الرياح في مصر و«العالم». وفيما تستعد دولة الإمارات لاستضافة مؤتمر «كوب28»، في مدينة «إكسبو دبي»، العام المقبل، تعهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بأنّ أولى مهام المؤتمر ستكون «إنجاز أول تقييم عالمي للتقدم في اتفاق باريس للمناخ». وهذه ترجمة قوية التأثير للدور المعياري لدولة الإمارات في العمل المناخي.

*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية