مع انطلاق مسيرة مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل ثورة المعلومات والاتصال العالمية، بدا التنافس قوياً بين هذه المواقع على كسب المتابعين في إطار فلسفة الاقتصاد الساعية إلى الربح والدعاية والإشهار. لكن سرعان ما باتت هذه المواقع تلعب أدواراً سياسية واجتماعية كبيرة، وبدت في كثير من الأزمات والأحداث التي شهدها العالم، خاصة ما سُمي بـ«الربيع العربي»، مساهِمةً رئيسية في توجيه المواقف والعواطف الشعبية.
وشكل ظهور موقع «تويتر» في مارس عام 2006، على يد الرباعي جاك دروسي ونوح غلاس وبيز ستون وإيفان ويليامز، دفعاً قوياً لمنصات التواصل الاجتماعي التي استطاعت إلى حد كبير سحب البساط من تحت أقدام الإعلام التقليدي.
وبات تويتر ثاني أكبر موقع من حيث عدد المستخدمين حول العالم، إذ يصل عدد مستخدميه الآن 290 مليون مستخدم. وبسبب الخصائص التي تميز بها، لا سيما هامش الحرية النسبية، وإقبال السياسيين عليه واستعمالهم له كمنبر إعلامي.. احتل تويتر مكانة متقدة في فضاء الإعلام العالمي، رغم بعض الانتقادات الموجهة إليه، خاصة حول طريقة التعامل مع المغردين، ومعاييره في قبول محتوياتهم الإعلامية. ويعد تويتر أكثر تشدداً من منافذ التواصل الاجتماعي الأخرى، إذ يقوم في كثير من الحالات بحظر المستخدمين الذين ينتهكون شروطه، مثلما فعل مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسبب موقفه من العنف خلال الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021.
وقد لعب تويتر دوراً ملحوظاً في بناء كثير من الحركات الاجتماعية حول العالم طوال السنوات الماضية، لكن الكثير من المنظمات تخشى على مستقبل الموقع بعدما آلت ملكيته مؤخراً إلى رجل الأعمال الشهير إيلون ماسك بتوجُّهاته التي يعلن عنها من وقت لآخر.
وبعد أن أبرم صفقةَ شراء الموقع، يبدو أن المستخدمين، خاصة من الفئات المهمشة، لا يملكون توقعاتٍ حول السياسة التي سيتبعها ماسك، سواء على صعيد التعامل مع المغردين، أو فيما يخص مصير الموظفين العاملين في تويتر نفسه، والذين باتوا يعيشون في أجواء نفسية متوترة بعد إعلان ماسك عن أكبر عملية تسريح في تاريخ الشركة (50 في المئة من الموظفين)، وإقالة القيادات العليا للموقع، مما قد يؤدي إلى انهيار عملاق التواصل الاجتماعي، خاصة أن القرارات المذكورة تأتي في وقت الانتخابات النصفية الأميركية، وتشمل الاستغناء عن كثير من الموظفين المعنيين بصحة المعلومات وتدقيقها.. هذا ناهيك عن نية ماسك فرض رسوم مقابل استعمال منصته.
واللافت أن التسريح الجماعي الكبير الذي أعلن عنه ماسك شمل معظمَ فريق السلامة والنزاهة المسؤول عن منع انتشار المعلومات الخاطئة والمحتوى الضار، خصوصاً بعد أن أعاد ماسك فتح حساب ترامب الذي يتهمه خصومه بنشر أخبار مغلوطة تزعم تزويرَ الانتخابات الرئاسية لعام 2020 التي خسرها لصالح جو بادين.
ورغم بعض التطمينات التي يقول أصحابها إن ماسك قد يتراجع عن قراراته المذكورة آنفاً، فالمؤكد أن هذا الموقع الاجتماعي العملاق سيتأثر بتسريح الموظفين وبالسماح للحسابات التي تروج للكراهية وتنشر الأخبار الزائفة بالنشاط ونشر محتوياتها، وهو ما دفع بالرئيس بادين إلى اتهام ماسك بأنه اشترى منصةً تنشر الأكاذيب في أنحاء العالم.
والسؤال الآن هو: هل سيبقى توتير كما عرفه المتابعون منصة اجتماعية للتغريد الحر، أم سيفقد بريقَه مع ماسك الحالم بزيادة أرباحه، ليغادره المغردون ويجد البلبلُ الأزرقُ نفسَه خارج السرب؟!

*كاتب سعودي