بصرف النظر عن مشاورات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، واحتمالات دخول بعض العناصر المنتقدة إسرائيلياً ودولياً، فنحن أمام واقع جديد يتشكل في إسرائيل، ومرتبط بالفعل بمرحلة فارقة في عمر الدولة العبرية، وتطورات الأوضاع في الداخل، وسيرتبط بالقوى اليمينية التي ستدير الدولة في الفترة المقبلة، وستعمل على الحفاظ على ما وصلت إليه من إنجازات يرى «اليمين» الإسرائيلي أنه من بدأ بها في النطاق الإقليمي أو الدولي، وفي ظل تحديات جسيمة يمكن أن تشهدها الدولة في المديين القصير، والمتوسط، وينبغي التعامل معها بجدية.
ويدرك رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو أن تشكيل حكومة مستقرة يحتاج إلى الكثير من الضغوطات على كل اللاعبين السياسيين المباشرين، وغير المباشرين، وإلى إقناعهم بتقديم تنازلات تخدم شكل الحكومة التي يريدها، ومن جهة أخرى يسعى لتشكيل حكومة بسرعة قبل أن تصل الأمور في موضوع محاكمته الجنائية إلى نقطة اللاعودة، لكي يتخذ قوانين تحميه على الأقل من مخاطر المحكمة.
ومن أجل تعزيز معسكره، تدخل بقوة في الشؤون الداخلية للكتل الانتخابية المنضوية تحت معسكره. مثلاً، أوجد دوراً قوياً في ائتلاف إيتمار بن غفير وبتسلال سيموترتش في كتلة واحدة هي «الصهيونية الدينية». ومن المؤكد أنه نجح في ذلك من خلال تقديم الوعود لهما لدخول الحكومة المقترحة، كما تدخل نتنياهو داخل الأحزاب «الحريدية»، وخصوصاً «يهدوت هتوراة»، لقطع الطريق على تحالف «غانتس» مع «الحريديم»، رغم قبول الحريدي «موشيه غافني» هذا الحلف، وهذا أيضاً تطلب إغراءات لقيادة «الحريديم»، ووعوده التي كررها بتمويل المدارس الحريدية الخارجة عن منظومة التعليم الرسمي.
يدرك رئيس الوزراء المكلف نتنياهو بأن تشكيل حكومة مستقرة، ومسيطر عليها يحتاج إلى الكثير من الجهد السياسي والحسابات الدقيقة، وهو يدرك أن أكبر مشكلة تواجهه الآن في تشكيل حكومة مستقرة بقيادته تتمثل بشركائه في معسكره الانتخابي، إذ إنه اعتمد في حملته الانتخابية على استراتيجية أنه زعيم معسكر كامل، وليس مجموعة أحزاب، أو كتل صغيرة.
ولعل أهم من التحديات التي تقف أمام تشكيل الحكومة فكرة عدم تحالف بقية الأحزاب في المعارضة مع نتنياهو في تأليف الحكومة، وإن كان يمكن توسيع ائتلافه في وقت لاحق بإضافة حزب مثل المعسكر الرسمي بقيادة بيني جانتس وغادي أيزنكوت، أو حتى يائير لابيد نفسه، الأمر الذي سيريح نتنياهو من عدة نواحٍ، من بينها ألا يقع تحت ضغوطات معينة، والأهم إبعاد تهمة التطرف الديني عن حكومته أمام الرأي العام الدولي. الواضح أن نتنياهو لا يرغب في المخاطرة بمنح ممثلي اليمين المتطرف، حقائب سيادية، ولذلك قد يسعى لإقناع خصميه يائير لبيد وبيني غانتس بالانضمام إلى حكومة برئاسته ليتجنب عزلة دولية.
في كل الأحوال، فإن الرابح الأول من تشكيل الحكومة الجديدة هو اليمين المتشدد الصاعد بقوة، والذي تجاوز بالفعل اليمين السياسي الذي حكم إسرائيل لسنوات طويلة، وإنْ كان أحياناً يأتلف مع العمل وأحزاب «وسط اليمين». واليوم الأمر اختلف شكلاً ومضموناً. فهناك سياسيون بارزون جدد سيسعون إلى إيجاد دور حقيقي في الساحة السياسية عبر تبني مقاربات متطرفة تدعو لنفي الآخر باعتبارهم من الأغيار الأمر الذي سيمثل مشكلة لعرب 48 وأيضا الفلسطينيين، مما قد يؤدي لتداعيات سلبية حقيقية على استشراف أي مستقبل للعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية في الفترة المقبلة، وهو ما سيؤثر على علاقات إسرائيل الإقليمية والدولية، وقد يعرقل مجالات التعاون الإقليمي، والتي تحققت فيها إنجازات حقيقية في عهد نتنياهو ونفتالي بينت ويائير لابيد.
* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية