في عام 2005 أعرب رئيس جامعة هارفرد الأميركية الدكتور موري سومر عن رغبته في البحث عن سبب لما سمّاه في ذلك الوقت «تخلّف المرأة في العلوم الفيزيائية والرياضية عن الرجل، إذ تجد الجامعةُ نفسَها مضطرةً لتعيين أساتذة من الرجال فقط». واقترح الدكتور سومر إجراءَ دراسة في الجينات بحثاً عن جواب.
اعتبرت الجامعة - والرأي العام الأميركي - ما قاله رئيسها بأنه نوع من أنواع العنصرية. وكانت النتيجة إعفاءه من منصبه.
وفي عام 2007 طلع العالِم الأميركي واطسون بنظرية أكثر جرأةً تتعلق بالملوّنين والمتحدرين من أصول أفريقية. والدكتور واطسون ليس مجرد زائد واحد إلى عدد العلماء، بل هو عالم حاصل على جائزة نوبل في الطب (عام 1962) لاكتشافه، في عام 1953، معادلة تركيبة الخلايا الحيّة في جسم الإنسان (DNA) بالتعاون مع عالِم آخر يدعى فرنسيس غريك. وهو اكتشاف علمي غيّر نظرةَ الإنسان إلى نفسه، ونظرة العِلم إلى الإنسان. كما غيّر كيفية تعامل الطب مع الأمراض الوراثية. ومكّن أيضاً من معرفة أنواع هذه الأمراض وكيفية معالجتها في الأجنّة، أي قبل الولادة.
وقد نشر الدكتور واطسون الذي حصل على شهرة عالمية واسعة، كتاب مذكراته في المختبر، والذي يروي فيه المراحل التي مرّ بها حتى توصّل إلى ذلك الاكتشاف العلمي المذهل.
وفي ضوء شهرته الواسعة أجرت معه صحيفة بريطانية، هي «الصنداي تايمز» مقابلةً استدرجته فيها كعالِم في الجينات والخلايا البشرية للحديث عن علاقة مستوى الذكاء لدى الإنسان مع موروثاته من الجينات والخلايا. وكان جوابه كالتالي: «إن الأمنية الكبرى لدى أي مجتمع اليوم، هي أن يسود الاعتقاد بأن قوى الإدراك المنطقي متساوية لدى كل الناس في كل المجتمعات الإنسانية.. قد يكون ذلك واقعياً، لكن مجرد الرغبة في أن يكون ذلك صحيحاً وواقعياً لا تكفي. إن ذلك ليس عِلماً. غير أن المهم هو أن لا يؤدي إلى العنصرية».
أثار هذا التصريح الشهية لمعرفة المزيد عن موقف عالِم ومرجع في تركيبة الجينات البشرية، فانهالت عليه الطلبات الإعلامية لمعرفة المزيد. وكانت الواقعة في ذلك المزيد، إذ نُقل عنه قوله: «إن بعض الشعوب أقل ذكاءً من الشعوب البيضاء، وإن ذلك يعود إلى تكوين جيناتهم الوراثية». وكانت النتيجة أن مختبر كولد سبرينغ العلمي في الولايات المتحدة، الذي كان يجري فيه تجاربه العلمية طوال ستين عاماً، والذي فاخرَ بحصوله على جائزة نوبل في الطب وأطلق اسمه على المختبر تقديراً له، اضطر إلى شطب اسمه والتوقف عن التعامل معه. وذهبت إدارة المختبر إلى إصدار بيان أدانت فيه تصريحاته ووصفتها بأنها «سوء استخدام العلوم لتبرير الكراهية». 

كان الدكتور واطسون جازماً في قوله «إن دراساتنا الاجتماعية تقوم على قاعدة أن مستوى الذكاء متساو لدى جميع الشعوب، غير أن كل التجارب أثبتت أن ذلك ليس صحيحاً».
وتؤكد النظريات العلمية أن ثمة مادة للذكاء في الخلايا البشرية (دي.أن.إيه) تتراوح نسبتها بين 20 و60 بالمائة. وأن ذلك هو سبب التباين في القدرات الذهنية.
وفي عام 1994 نشر العالِمان الأميركيان تشارلز موراي وريتشارد هيرنشتاين كتاباً عنوانه «جرس الانحناء»، قالا فيه: «إن الأميركيين البيض أكثر ذكاءً من الأميركيين الآخرين، وإن الاختلافات بين الإثنيات لعبت دوراً في الخلافات بينها». 

لكن الأبحاث الحديثة أثبتت أن تلك النظرية ليست صحيحة، ويُعتقد أن الدكتور واطسون قد تأثر بها. ومع ذلك عندما سُئل الدكتور واطسون بعد أن اعتذر عن التصريحات التي أدلى بها عما إذا كان قد غيّر رأيَه، قال: «ليست القضية قضية رأي.. إنها قضية عِلم. وفي العلوم فإن التربية قادرة على تجاوز الطبيعة».

*كاتب لبناني