لم تغادر القضية الفلسطينية واجهة الاهتمام في الخطاب الدبلوماسي الإماراتي، رغم أوهام المشككين وبعض الحملات المغرضة التي حاولت الترويج لصورة مغلوطة حول الاتفاق الإبراهيمي والعلاقات بين الإمارات وإسرائيل، أي الخطوات التي فتحت نوافذ وفرصاً عديدة للحوار بين الجانبين. وفي مقدمة ما يطرحه الجانب الإماراتي الآفاقُ المستقبليةُ للقضية الفلسطينية التي لا يزال «حل الدولتين»، المُجمع عليه دولياً، على رأس الأولويات فيه، حيث يتم التركيز عليها في اللقاءات مع الجانب الإسرائيلي.

وقد أتاح توقيع الاتفاق الإبراهيمي للسلام المزيدَ من الحوارات واللقاءات التي تستثمرها الدبلوماسية الإماراتية لجعل صوت الدولة عالياً ورؤيتها تجاه القضية الفلسطينية حاضرة، وهذا ما جرى التأكيد عليه مجدداً على لسان المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، لانا زكي نسيبة، التي شاركت بفعالية في مجريات اللقاء الذي جمع وفداً من المندوبين الدائمين، بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب بنيامين نتنياهو. ومعلوم أن موقف الإمارات الثابت يتضمن الحث على ترسيخ رؤية إنسانية شاملة تنتقل بالصراع من خانة الانسداد إلى أفق الحل، عبر تفعيل مبادئ الحوار والتعايش والتعاون وبناء المصالح التي تخدم الشعوبَ ومستقبَلها، وهو مما يرفع قيمة خيار «حل الدولتين».

وبدلاً من إطالة أمد الصراع والإبقاء على التوتر الذي ينتقل من الشارع إلى المفاهيم والرؤى السياسية، يمكن للحوار وتقارب وجهات النظر وتثبيت الحقوق المشروعة والواقعية، أن يتيح للشعب الفلسطيني أن يختصر المسافات وأن يجعل من كل لقاء مع الجانب الإسرائيلي فرصةً لتسجيل مواقف مؤطَّرة بالمبادئ التي تحظى بإجماع دولي لصالح الفلسطينيين. أما المواقف العدمية والجري وراء الشعارات بهدف استقطاب الشارع وتأجيل الحلول العملية، فقد أصبحت خيارات غير مجدية، بقدر ما يستفيد منها الجانب الإسرائيلي الذي ترتفع فيه أسهم اليمين المتعصب كلّما رفع المتحدثون باسم القضية الفلسطينية الشعاراتِ الصفريةَ التي لم يتحقق من ورائها أي مكسب ولم تحرك أي مسار عملي للحل.

وبالعودة إلى الاتفاق الإبراهيمي، ومن موقع الندية والمشروعية الكاملة في الارتقاء بمصالح الدولة، يتجدد مع كل لقاء إماراتي إسرائيلي الكشف عن المستوى الذي وصلت إليه العلاقات التجارية بين الجانبين، حيث كشف اللقاء الجديد أن التبادل التجاري بين الدولتين حقق نمواً بلغ حجمه ملياري دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 2022، دون احتساب التعاون في جوانب لا يمكن قياس حجمها بالأرقام لأنها ذات أبعاد مستقبلية، مثل التعاون في المجالات العلمية والطبية والزراعية. وغير بعيد عن طرح الإمارات المستمر للتمسك بخيار «حل الدولتين» واعتماده كمبدأ للحل الدائم، يبرز الموقف الفلسطيني الرسمي في أحدث ترحيب أطلقته السلطة الفلسطينية، إثر دعوة البرلمان الأوروبي إلى عقد مؤتمر دولي للسلام على أساس «حل الدولتين».

الموقف الفلسطيني جاء على لسان وزير الخارجية رياض المالكي، وخاصة أن بيان البرلمان الأوروبي أكد ضرورةَ حماية «حل الدولتين» ودعم جهود إقامة وتجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض، بما في ذلك المطالبة بإنهاء الاحتلال ووقف جميع القرارات الاستيطانية.

ويشير الحديث عن حماية حل الدولتين إلى أن هناك أطرافاً فلسطينية وأخرى إسرائيلية تحاول القفز على الحل الواقعي الذي يشكل ضغطاً على المتطرفين في كلا الجانبين، ويكشف أن كل مَن يتجاوز اعتمادَه كخيار واقعي، إنما يؤجج الصراع ويذهب به بعيداً عن الحلول الممكنة التي يستطيع الجانب العربي بالتعاون مع المجتمع الدولي أن ينتقل بها تدريجياً من الطرح النظري إلى بحث ترتيباتها العملية، رغم أن ذلك يتطلب إلى جانب الإرادة المشتركة لطرفي الصراع، توفرَ الأجواء الإقليمية والدولية التي تساعد على ترسيخ الحل الدائم لإنهاء الصراع الذي طال واستفحل.

*كاتب إماراتي