يشتد الخلاف بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين»، أكبر حزبين يتناوبان على حكم الولايات المتحدة الأميركية، مع اقتراب تاريخ الأول من يونيو المقبل، الذي حددته وزيرة الخزانة جانيت يلين موعداً لنفاد السيولة اللازمة لسداد ديون الحكومة، محذرةً من أن عدم رفع الكونغرس سقفَ الدين البالغ 31.4 تريليون دولار، سيؤدي إلى «كارثة اقتصادية». وأكد صندوق النقد الدولي أن التخلف عن سداد الديون ستكون له «تداعيات خطيرة للغاية» على الاقتصاد الأميركي والعالمي. ورغم تفاؤل الرئيس جو بايدن بإمكان الوصول إلى اتفاق قبل ذلك التاريخ، فإن مخاطر الانتظار بدأت تنعكس على الأسواق المالية التي تفتقر إلى التقدم، مع زيادات كبيرة في أسعار الفائدة قصيرة الأجل.
لقد أكد الحزبان ضرورةَ رفع السقف، لأن الفجوة بين الإنفاق الحكومي والإيرادات كبيرة جداً، وألقى الجمهوريون باللوم في أزمة ارتفاع التضخم على زيادة الإنفاق خلال أول عامين (2021-2022) من حكم الرئيس الحالي. ثم تفاقمت المشكلةُ وأخذت أبعاداً سياسية، عندما أقر مجلس النواب في 26 أبريل الماضي بأكثرية ضئيلة جداً (217-215 صوتاً) رفعَ سقف الدين بـ1.5 تريليون دولار حتى مارس 2024، مقابل تنفيذ تخفيضات في النفقات تصل 4.8 مليار دولار. لكن مشروع القانون هذا يحتاج إلى موافقة الكونغرس بشقيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، وقد أكد الديمقراطيون رفض شروط الجمهوريين. وهدد الرئيس بايدن باستخدام حق النقض.
وبما أنه لا يمكن إبعاد الأهداف السياسية عن هذا «المأزق» الكبير، خصوصاً في سياق التحضير للانتخابات الرئاسية العام المقبل، فقد وصف بايدن الذي يسعى لإعادة انتخابه لولاية ثانية، معارضةَ الجمهوريين بأنها «تشكل تهديداً اقتصادياً». أما الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو بدوره يستعد لخوض الانتخابات المقبلة، فقد دعا الجمهوريين إلى انتزاع تنازلات من بايدن لخفض الإنفاق، و«دفع الخزانة لمواجهة التخلف عن سداد الديون». 
وفي هذا السياق، تُبرز نتيجةُ استطلاع أجرته مؤسسة «غالوب» بأنه لا ثقة حقيقية لدى الأميركيين بقادة الحزبين الرئيسيين في القضايا الاقتصادية، حيث أبدى 35% ثقة ببايدن، مقابل 38% يثقون بالحزب الجمهوري. ويجمع المراقبون على أن المشكلة لا تتعلق برفع سقف الدين فحسب، بل بالصدقية السياسية للحزبين، ولذا يجب أن يتحملا معاً مسؤوليةَ نتائج هذه «الخسائر»، وهي من أموال الشعب الأميركي. 
وبلغة الأرقام، كان حجم الديون في عام 2000 نحو 6 تريليونات دولار، وفي نهاية ولاية الرئيس جورج بوش الابن عام 2007 زاد إلى 9 تريليونات، وفي ولاية باراك أوباما (2008-2016) قفز إلى 19.8 تريليون، ثم كانت القفزة الكبيرة في ولاية دونالد ترامب (2017–2021) حيث زاد نحو 8.2 تريليون، وبلغ التراكم 28 تريليون دولار. واستمر في عهد جو بايدن الحالي، مسجلا في سنته الثالثة زيادة بـ3.4 تريليون، ليصل التراكم إلى 31.4 تريليون دولار. 
ومن هنا، تبرز أهمية مسؤولية رؤساء الولايات المتحدة على مدى 22 سنة الماضية في تراكم الديون. ولعل أخطرها ما حصل سنة 2020، وهي الأخيرة من ولاية ترامب، والتي وصفت بأنها «أسوأ سنة مالية في تاريخ الولايات المتحدة»، إذ بلغ العجز3.13 تريليون دولار، بسبب الفجوة بين ما أَنفقته الولايات المتحدة (6.55 تريليون دولار) وما حَصلَت عليه (3.42 تريليون دولار)، وفق مكتب الميزانية في الكونغرس، وهو أعلى مستوىً للدين منذ الحرب العالَميّة الثانية. 
وهكذا تواجه عملية رفع سقف الدين الأميركي تحديات سياسية بارزة، ومثيرة للجدل بين الحزبين ومناوراتهما المتبادلة، بينما هي تحتاج إلى معالجة شاملة وجهود مشتركة للتوصل إلى حلول سليمة ومستدامة، بعد دراسة دقيقة للسياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي المحيط بها، لتحقيق استقرار مالي، أميركي وعالمي.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية