تظل الجالية الهندية في الخارج مصدرَ دعم كبير لحزب بهارتيا جاناتا الحاكم. فمنذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، حرص رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، خلال زياراته إلى البلدان الأجنبية، على التواصل والالتقاء ليس فقط مع المغتربين الهنود، ولكن أيضاً مع الأشخاص المنحدرين من أصل هندي. وقد ساعدت هذه السياسة الحزبَ الحاكمَ على تعزيز شعبيته داخل البلاد وخارجها، كما ساعدته من الناحية المالية أيضاً. 
واليوم يسعى حزب المؤتمر المعارض إلى الاستفادة هو أيضاً من قوة الجاليات الهندية المنتشرة عبر بلدان متعددة. فبعد تواصله مع أعضاء الجالية الهندية في المملكة المتحدة، سافر زعيمُ حزب المؤتمر راهول غاندي إلى الولايات المتحدة، حيث رتّب الحزبُ لعقد تجمعين مع الجالية الهندية التي تقيم في سان فرانسيسكو وواشنطن. ومن المرتقب أن يلتقي راهول غاندي مع أعضاء الجالية الهندية ويلقي عليهم كلمةً، وهو ما يعكس بوضوح الأهمية المتنامية لهذه المجموعة في الحياة السياسية الهندية. ويأتي هذا الجهد التواصلي لحزب المؤتمر بعد اجتماعاته الناجحة جداً مع الهنود المقيمين في بريطانيا. 
زيارة راهول غاندي إلى الولايات المتحدة تأتي قبل أسبوعين من زيارة الدولة الرسمية الأولى التي يعتزم ناريندرا مودي القيام بها إلى واشنطن في يونيو نفسه. وبهذه المناسبة، يخطط الفرعُ الأميركي لـ «أصدقاء حزب بهارتيا جانتا في الخارج» الذي يشتغل باسم الحزب الحاكم، لتنظيم مسيرة واحدة في 20 مدينة أميركية. كما تمت دعوة الآلاف من أعضاء الجالية الهندية إلى حديقة البيت الأبيض، حيث سيستقبل الرئيسُ جو بايدن رئيسَ الوزراء مودي. ومن المرتقب أن تكتسي زيارتُه إلى الولايات أهميةً خاصةً لأنها تهدف إلى تعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي. والجدير بالذكر هنا أن الهنود المقيمين في الولايات المتحدة، والذين يُعتبرون من بين المجتمعات الميسورة جداً، يعملون كمجموعة ضغط قوية تساهم في التأثير على سياسات الولايات المتحدة لصالح الهند.
ولدى الهند واحدة من أكبر الجاليات في العالم، إذ يفوق تعدادها 32 مليون هندي وشخص من أصل هندي، يعيشون في أجزاء مختلفة من العالَم، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وبلدان الخليج العربي. وعلى الرغم من أن الحكومات الهندية أدركت أهمية الهنود الذين يعيشون خارج البلاد ودأبت على عقد «مؤتمر هنود الخارج»، وهو عبارة عن فعالية خاصة بالهنود الذين يعيشون في الخارج تقام للاحتفال بنجاحاتهم، فإن مودي هو الذي ركّز على نسج روابط قوية مع الجاليات الهندية في بلدان مختلفة. ففي عام 2014، خاطب تجمعاً للأميركيين الهنود ناهز 20 ألف شخص في ملعب «ماديسون سكوير غاردن». ومؤخراً، ألقى كلمةً على الآلاف من هنود الخارج في تجمع حاشد في «سيدني أولمبيك بارك»، الذي يُعد أحد أكبر الملاعب المغلقة في أستراليا. 
واللافت أن الأحزاب السياسية الهندية أخذت تدرك بشكل متزايد أهمية الجاليات الهندية في الخارج ليس فقط كقوة ناعمة في العالَم، ولكن أيضاً لجهة قدرتها على التأثير على الحياة السياسية الداخلية الهندية. وفي هذا الإطار، ينظر حزبُ بهارتيا جانتا إلى الجاليات الهندية كمصدر للاستثمار. بل يبدو أن التواصلَ مع أفراد هده الجاليات، بالنسبة للحزب الحاكم، بات بمثابة ركيزة أساسية من ركائز سياسة حكومته الخارجية. فمنذ توليه السلطة، حرص مودي على التواصل مع أفراد الجاليات الهندية عبر العالم. وفضلاً عن ذلك، فإن وجودَ حشود كبيرة في تلك الفعاليات الخاصة بالجاليات خلقَ دعايةً للهند وقيادتها.. دعاية تساعد على خلق وعي بالهند وبالقوة الاقتصادية الصاعدة للبلاد، كما أنها تمثِّل بالنسبة للهند جزءاً من استعراض القوة الناعمة. 
ومما لا شك فيه أن الهنود المقيمين في الخارج يمكن أن يساعدوا في التأثير على سياسات البلدان التي يعيشون فيها تجاه الهند وفي صقل صورتها في البلدان حيث يقيمون. وفي الوقت نفسه، وبالنظر إلى وضعهم ودعمهم المالي الجيد لعائلاتهم وأصدقائهم في الهند، فإنهم يساعدون أيضاً في حشد الأصوات للحزب الذي يميلون إليه. وعلى الرغم من أن المغتربين الهنود لا يستطيعون التصويت في الانتخابات الهندية، وأن حاملي جوازات السفر الهندية المقيمين في الخارج عليهم العودة إلى الهند من أجل التصويت، فإن لهم تأثيراً كبيراً على الانتخابات الولائية والوطنية. إذ يسافر الكثيرون منهم إلى الهند خلال فترة الانتخابات من أجل المشاركة في الحملة الانتخابية أو لتقديم المساعدة في حملات وسائل التواصل الاجتماعي أو برامج التواصل مع الناخبين. 
وقد وجد استطلاع للرأي شمل 1200 من الأميركيين الهنود في الولايات المتحدة في 2020، وأجرته عبر الإنترنت مؤسسة «يو غوف» بالتعاون مع «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي» و«جونز هوبكنز» و«جامعة بنسلفانيا»، أن ثلث المستجوَبين يفضلون حزب بهارتيا جاناتا الحاكم، في حين عبّر 12 في المئة منهم فقط عن دعمهم لحزب المؤتمر. ووجد الاستطلاع أن هذا الدعم أكبر بين الهنود المؤيدين للجمهوريين الذين ينتمون إلى مهنة الهندسة، والذين لم يولدوا في الولايات المتحدة، وأولئك الذين ينحدرون من شمال الهند وغربها. 
ولا شك في أن أفراد الجاليات الهندية يلعبون دوراً مهماً للغاية في الانتخابات الوطنية الهندية. واليوم، يبدو أن الأحزاب السياسية الأخرى أيضاً بدأت تتنبه لهذه الحقيقة ولأهمية استمالة المغتربين الهنود، سواء في الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2024 أو في تحقيق أهداف السياسة الخارجية. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي