أعلنت لجنة جائزة نوبل فوز الناشطة الإيزيدية العراقية نادية مراد والطبيب الكونجولي دنيس موكويجي، بفرع الجائزة للسلام، لمكافحتهما سلاح الجنس في الحرب. وقالت اللجنة في مسوغات قرارها: «قدم الفائزان إسهاماً ملموساً لتركيز الانتباه على جرائم الحرب هذه ومكافحتها». وتدافع نادية مراد عن الأقلية الإيزيدية في العراق واللاجئين وحقوق المرأة عامة. أما موكويجي فيدير مستشفى بانزي في مدينة بوكافو ويعالج ضحايا العنف الجنسي في جمهورية الكونجو الديمقراطية. وأوضحت رئيسة اللجنة أن رسالة جائزة هذا العام هي أن «النساء، اللاتي يمثلن نصف المجتمع، يتم استغلالهن كأسلحة حرب، ويجب حمايتهن ومحاسبة المعتدين على أفعالهم ومحاكمتهم».
وهنأ الرئيس العراقي برهم صالح الشابة نادية مراد على فوزها بجائزة نوبل للسلام، قائلا ً«إن فوز نادية مراد بجائزة نوبل للسلام تكريم لكفاح العراقيين ضد الإرهاب»، وإن «تكريمها يجسد إقرار العالم بمأساة الإيزيديين وكل ضحايا الإرهاب والتكفير في العراق، وهو تقدير لشجاعتها ومثابرتها في الدفاع عن الحقوق المغتصبة». وبارك رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي لنادية فوزها بالجائزة، وسارعت كافة الفعاليات السياسية العراقية لتهنئتها أيضاً.
الحكومة العراقية اليوم تهنئ مواطنتها الإيزيدية بحصولها على أكبر جائزة دولية للسلام، إذ تعرضت للأسر والسبي والعنف الجسدي والاغتصاب من مسلحي «داعش» في الموصل عام 2014، في غياب الحكومة العراقية. والحقيقة أن فوز نادية بالجائزة يوثق لإحدى أسوأ الحقب السياسية التي مرت بالعراق الحديث، وهو إدانة لتنظيم «داعش» الإرهابي، لكنه أيضاً يذكر العراقيين بحكومتهم التي تخلت عن دورها في حماية أمن مواطنيها بغض النظر عن عن المذهب أو العراق أو الإثنية.. في ما يعكس واقع العراق اليوم.
إن مكافحة العنف الجنسي خلال الحروب والاقتتال تتحمل الحكومات المركزية الشرعية مسؤوليته، وعليها أن تحاكم مقترفيه، فذلك أبسط إنصاف للضحايا. لكن غالباً ما تمر هذه الانتهاكات دون الإبلاغ عنها، في استهانة بعواقبها الخطيرة. ويذكَر أن الحكومة العراقية وقعت في سبتمبر 2016 اتفاقيةً للتعاون مع الأمم المتحدة بشأن منع العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات المسلحة والاستجابة له عن طريق تعزيز الإطار القانوني العراقي ليكون قادراً على التصدي للعنف الجنسي، ووضع أطر لتعويض الضحايا. لكن منظمة العفو الدولية نشرت تقريراً في أبريل 2018 بعنوان «المدانون: نساء وأطفال عراقيون معزولون ومحاصرون ويتعرضون للاستغلال في العراق»، يوثق للانتهاكات بحق النساء والأطفال في بلاد الرافدين. غير أن الضحايا هذه المرة هن ممن اصطلح على تسميتهن «نساء داعش». وقد ندد التقرير بتعرض أعداد «مخيفة» من النساء في العراق للعنف الجنسي، لاسيما على أيدي موظفين رسميين وأعضاء في ميليشيات مكلفة بحراسة مخيمات النازحين التي تضم أطفال ونساء «داعش».
سبي، اغتصاب، نخاسة، اتجار بالبشر.. مصطلحات عرفها العراق خلال الأعوام الأخيرة، وهي مصطلحات تدين «داعش»، ومعها أطراف وجهات أخرى، لاسيما الأحزاب والميليشيات المسلحة المتصارعة على كعكة الفساد ونظام المحاصصة الطائفية الذي دفع ثمنه الشعب العراقي من تهجير ونزوح وخطف وقتل ونهب ثروات.. في مرحلة أوصلت البلاد إلى مستويات منخفضة للغاية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
واليوم يحصل العراق على جائزة نوبل للسلام، لا عن طريق إنجازاته في صنع السلام ومشاريع محاربة الفقر.. بل عن طريق ضحية من بناته.. فتحيةً لصوت ضحايا العنف الجنسي «نادية مراد».