يحظى استشراف المستقبل باهتمام خاص في دولة الإمارات العربية المتحدة، حرصاً على التخطيط للمستقبل وصياغة الرؤى الطويلة المدى، التي تأخذ بعين الاعتبار التطورات المتسارعة في المجالات كافة، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال اطلاعه على منصة التحول المستقبلي ضمن الاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية التي اختتمت فعاليات دورتها الثالثة، يوم الاثنين 12 نوفمبر، عندما قال: «إن صناعة المستقبل وتعزيز الفكر المستقبلي الاستباقي يمثلان جوهر ثقافة العمل الحكومي في دولة الإمارات والمنهج الذي تتبناه الحكومة في تطوير أدواتها واستراتيجياتها وخدماتها بما ينعكس إيجاباً على الناس».
ولا شك في أن الثورة الصناعية الرابعة تدخل في صميم الرؤى المستقبلية، ولهذا فإن الدولة تعمل بطرق علمية ومنهجية على توظيف ثورة البيانات والتطورات الهائلة في مجال التكنولوجيا في الخدمات التي تقدمها، حيث جرى إطلاق «منصة التحول المستقبلي»، التي تغطي أكثر من 120 موضوعاً تتصدر الاهتمامات العالمية وتخدمها برصيد معرفي يعزز عملية صنع القرار. كما تم إطلاق «استطلاع حدود المستقبل 2018»، بهدف وضع تصور لأهم احتياجات الاجتماعات المستقبلية، وبحث القضايا الملحة والسعي إلى تنويع مصادر المعرفة، بما يدفع عجلة التنمية، ويضمن تقديم خدمات قيّمة من دون الحاجة إلى كميات ضخمة من البيانات.
لقد قرأت مجالس المستقبل في دورتها الثالثة، مستقبل القطاعات الاستراتيجية على المستويين المحلي والدولي، وأبرزها الأمن الإلكتروني والحوسبة، والابتكار والتكنولوجيا والتعليم والصحة، ليتسنى للمشاركين قراءة المعطيات الرقمية والنوعية لدولة الإمارات في السبق والريادة في مستقبل الطاقة المتقدمة والمياه والنقل والفضاء، وقضايا التجارة والاستثمار والثقافة والسياحة، وبهذا تثبت دولة الإمارات أهليتها في أن تكون مقراً لاستضافة مجموعة عريضة من القمم العالمية الضخمة والريادية، التي أسست لمنظومة من تبادل المعرفة والخبرات بين الحكومات العربية، لتكون مركزاً للتعاون وتطوير السياسات والبرامج المستقبلية على المستوى العربي.
ولا يقتصر اهتمام دولة الإمارات بالمستقبل على المستوى المحلي فقط، إنما تعمل على تعزيز دورها في تحسين ظروف المجتمعات الإنسانية في شتى أنحاء العالم، والارتقاء بها نحو الأفضل، انطلاقاً من شعورها بضرورة مساعدتهم على مواجهة التحديات وتقديم العون المادي والمعنوي لهم، فلطالما عملت القيادة الرشيدة على تعبئة كل الإمكانات وتوفير المنصات كافة من أجل خدمة البشرية، ولهذا من الطبيعي أن تولي الاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية اهتماماً خاصاً باستشراف التطورات العالمية في المستقبل، ووضع التصورات الكفيلة بالتعامل معها بكفاءة ونجاح.
إن استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة اجتماعات «مجالس المستقبل العالمية»، التي شارك في فعالياتها نحو 700 مستشرف وخبير ومسؤول من 70 دولة حول العالم، ضمن 38 مجلساً، تركز على استشراف مستقبل القطاعات الحيوية الأكثر تأثيراً في حياة الإنسان، جعل من دولة الإمارات الوجهة المفضلة لالتقاء المفكرين والمختصين والخبراء ومتخذي القرار من مختلف دول العالم، لوضع أجندة مستقبلية للعديد من التحديات، واستشراف المسار المستقبلي للعديد من التغيرات التكنولوجية والعلمية التي يشهدها هذا العالم.
إن استشراف المستقبل الذي انتهجته حكومة دولة الإمارات، جعلها تعمل على تأصيل قيم التعاون بين العديد من المؤسسات، وفي الوقت نفسه تعميم تجربتها، من أجل الوصول إلى الهدف العام، وهو تصميم إطار عالمي للحوكمة، يحدد الأسس العامة والأطر التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، لما فيه خدمة البشرية ومساعدتها على التعامل مع التحديات التي تواجهها بفاعلية واقتدار.
لقد أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة من أكثر دول العالم اهتماماً بالتخطيط للمستقبل واستشرافه، من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتمكين الدولة بقطاعاتها المختلفة من الاستعداد للتحديات المستقبلية، الأمر الذي يفتح الباب أمام المجتمع نحو مستقبل أرحب وأكثر تطوراً، وبناء أنشطة اقتصادية غير تقليدية، متينة ومستقرة، تدفع الاقتصاد الوطني إلى المضي قدماً على طريق التقدم المستدام.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية