في عام 1965 أنهى المجمع الفاتيكاني الثاني برئاسة البابا بولس السادس مؤتمراً استمر أكثر من عامين وحضره أكثر من ثلاثمائة أسقف من كل أنحاء العالم. صدرت عن المجمع وثيقة تُعرف بالاسم اللاتيني «نوسترا إيتاتي»، ومعناها «حالة عصرنا». في هذه الوثيقة فتح الفاتيكان صفحة جديدة مع الكنائس الأرثوذكسية والإنجيلية، وكذلك مع اليهودية والإسلام.
كانت النظرة السابقة للإسلام سلبية جداً ومشوهة جداً. أما النظرة الجديدة التي أقرّها المجمع فتتمثل في النص التالي: «تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحي القيوم، الرحمن القدير، الذي خلق السماء والأرض، وكلّم الناس. إنهم يسعون بكل نفوسهم إلى التسليم بأحكام الله، وإن خفيت مقاصده، كما سلّم لله إبراهيم الذي يفخر الدين الإسلامي بالانتساب إليه. وأنهم، على كونهم لا يعترفون بيسوع إلهاً، إلا أنهم يكرمونه نبياً، ويكرمون أمه العذراء مريم، مبتهلين إليها أحياناً بإيمان. ثم أنهم ينتظرون يوم الدين الذي يجازي الله فيه جميع الناس بعدما يبعثهم أحياء. من أجل هذا يقدرون الحياة الأبدية، ويعبدون الله بالصلاة والصدقة والصوم خصوصاً».
وانطلاقاً من هذا الموقف الجديد، أصبح الباباوات يخاطبون المسلمين بصفة «الأخوة». ثم إن البابا يوحنا بولس الثاني الذي وافق على بناء مسجد روما، ردّد عبارته المشهورة:«لا يوجد دين إرهابي، ولكن يوجد إرهابيون في كل دين» وذلك رداً على أصوات النشاز باتهام الإسلام بالإرهاب، والتي ارتفعت إثر جريمة 11 سبتمبر 2001. صحيح أن العلاقة انتكست بعد ذلك في عهد خَلَفه البابا بنديكتوس السادس عشر على خلفية محاضرة ألقاها في إحدى جامعات ألمانيا واستشهد فيها بقول لامبراطور بيزنطي تسيئ إلى الإسلام، إلا أن ذلك انتهى بتوضيح منه أكد فيه عدم تبنّيه ذلك القول. وإن الإشارة إليه وردت في إطار محاضرة أكاديمية جامعية وليس في إطار ديني.
والبابا الحالي فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، الذي سيزور أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، ذهب إلى بنجلاديش ليرفع صوته مندداً بالمجازر التي تعرّض لها مسلمو الروهينجا في ميانمار، وهي مبادرة عرّضت مسيحيي ميانمار إلى خطر الانتقام. وعندما كان أسقفاً في بيونس أيريس عاصمة بلاده –الأرجنتين-، شكل لجنة وطنية من مسلمين ومسيحيين ويهود للعمل معاً من أجل تعزيز العيش المشترك. وأوفد إلى مصر أحد الرهبان لدراسة الإسلام من أجل أن يكون عوناً له في عمله الحواري.. ويحتفظ البابا في مكتبته الخاصة في بيونس إيريس بنسخة من القرآن الكريم ترجمها إلى الإسبانية مهاجر مسلم متحدّر من أصول لبنانية.
يولي الفاتيكان اهتماماً كبيراً بمسيحيي الشرق ويتبنى من أجل ذلك صيغة العيش المشترك القائمة على قاعدة الحريات الدينية. وقد نظم مؤتمرين من أجل هذا الهدف: المؤتمر الأول –أو السينودس الأول- عُقد في عام 1993، وكان حول لبنان وترأسه البابا يوحنا بولس الثاني. والمؤتمر الثاني –عُقد في عام 2010- وكان حول الشرق الأوسط وترأسه البابا بنديكتوس السادس عشر. وقد شاركتُ في المؤتمرين ممثلاً وجهة النظر الإسلامية، ولمستُ عن كثب مدى حرص الفاتيكان على فتح صفحة جديدة من الاحترام والتعاون مع العالم الإسلامي.
وقد قال لي الرئيس السابق للمجلس البابوي للحوار بين الأديان الكاردينال توران بأنه معجب كثيراً ليس فقط ببناء كنائس في دولة الإمارات العربية المتحدة، بل بمساهمات الدولة من خلال منح الأراضي لبناء هذه الكنائس، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على موقف الكنيسة الكاثوليكية من بناء المساجد في العديد من الدول ذات الأكثرية المسيحية. من هنا أهمية زيارة البابا فرنسيس لدولة الإمارات التي أصبحت عاصمتها أبوظبي حاضنةً لمؤتمرات السلام بين الأديان وخاصة بين الإسلام والمسيحية، علماً بأنه سبق لبابا الكنيسة الكاثوليكية أن زار الأزهر الشريف في القاهرة في إطار مؤتمر حول الدين والسلام العالمي.