يمكننا القول بأن المشهد الانتخابي الإسرائيلي بدأ في التبلور باتجاه تكوين جبهة كبيرة لمنافسة حزب ليكود ونتنياهو بالخطوة التي اتخذها الجنرالان بني جانتس رئيس الأركان الأسبق وموشيه بوجى يعلون رئيس الأركان ووزير الدفاع الأسبق، يوم الثلاثاء الماضي، بخوض الانتخابات في قائمة واحدة. وتشير تصريحات الجنرالين إلى أنهما مهتمان باجتذاب شخصيات عسكرية كبيرة أخرى، مثل رئيس الأركان الأسبق إشكنازي، إلى القائمة وهو ما يعطيها طابع الانضباط والجدية والبعد عن الألاعيب السياسية للأحزاب التقليدية أمام الجماهير.
لقد حرص الجنرال جانتس في خطابه الذي ألقاه في مؤتمر انتخابي مساء نفس اليوم على ترسيخ الانطباع عن حزبه كحزب يهدف إلى ضبط إيقاع الحياة السياسية في إسرائيل وتنقيتها من الشوائب الحالية، فوعد الجماهير بأن الحكومة التي سيرأسها ستقوم بعملية إصلاح داخلي وستنهي ظاهرة تهجم السياسيين على السلطة القضائية وعلى الإعلام وعلى رئيس الأركان والمستشار القضائي للحكومة، في إشارة نقدية لحزب ليكود وزعيمه نتنياهو، كما أنها ستكافح الفساد. هنا كانت العبارة الأبرز التي جعلتها صحيفة «يديعوت أحرانوت» عنواناً لتقريرها عن الخطاب تقول: إن رئيس الوزراء الذي تقدم ضده عريضة اتهام لا يصح أن يشغل منصبه. وهي إشارة واضحة لنتنياهو.
من الواضح أن هذا الاتحاد الحزبي قد أزعج أوساط اليمين، سواء داخل حزب ليكود أم في حزب اليمين الجديد الذي أسسه «نفتالي بينت» الزعيم السابق لحزب «البيت اليهودي» المعبر عن المستوطنين بنكهة دينية، فسارع أعضاء من الحزبين إلى توجيه سهامهم لزعيم حزب الجنرالات بني جانتس. وقال بعض رجال اليمين إن جانتس لم يكن رئيس أركان صاحب كفاءة وإنه لم يقم بدوره في سد الأنفاق التي حفرتها حركة «حماس»، وإنه كان يفضل منطق التعادل العسكري مع الحركة أثناء عملية «الجرف الصامد» على دحر «حماس» دحراً كاملا. هذا بينما قال آخرون إن أحزاب الجنرالات دائماً ما كانت ظاهرة عابرة ومؤقته في الحياة السياسية الإسرائيلية، وإنها عادة تولد لتخوض الانتخابات لمرة واحدة ثم تختفي من الانتخابات التالية.
طبعاً لم تمر هذه الانتقادات ضد جانتس بدون رد فعل، فقد تصدى لها الجنرال يعلون بقوله إن الأولاد الذين يجلسون في المجلس الأمني الوزاري المصغر والذين ينتقدون رئيس الأركان ثم يوافقون على إدخال ملايين الدولارات القطرية لـ«حماس» عليهم أن يلزموا الصمت.
أما في مجال السلام والعلاقات مع العرب فقد وعد جانتس في خطابه بأن تعمل حكومته على تحقيق السلام وبأنها لن تضيع فرصة إحداث تغيير إقليمي. وهنا قرر الجنرال أن يحرج اليمين الذي يرفض حل الدولتين، فضرب مثلا بزعيم اليمين ومؤسس حزب ليكود مناحيم بيجين الذي وقع اتفاقية سلام مع مصر ووصفه بالوطني الكبير، ثم ضرب مثلا آخر في السعي نحو السلام بالجنرال اسحق رابين زعيم حزب العمل الذي وقّع اتفاقية سلام مع الأردن، بل وقرر جانتس أن يقارن بين نتنياهو القديم الذي ألقى خطاب جامعة بار إيلان والذي اعترف فيه بحل الدولتين ونتنياهو الحالي الذي يتهرب من هذا الحل.
من المهم أن نلاحظ أن الفيلم الدعائي الأول لحزب الجنرالات «حوسين ليسرائيل» (درع لإسرائيل) ركز على استبعاد تصنيف القوى السياسية على أساس اليمين واليسار، ووضع شعار «إسرائيل قبل الجميع، وهو شعار قادر على اجتذاب الكثيرين لحظيرة الحزب».