في الثالث من نوفمبر 2016، أعلنت مصر تعويم سعر صرف الجنيه، بناء على نصيحة صندوق النقد الدولي وكشرط من شروطه، لمنحها قرضاً بقيمة 12 مليار دولار، في إطار تنفيذ سلسلة إصلاحات مالية واقتصادية، وبعد مضي نحو 29 شهراً، السؤال المطروح: هل نجحت هذه الخطوة في تحقيق أهدافها؟ وماهي النتائج الإيجابية والسلبية التي حصدها المصريون؟
في الثامن من فبراير الماضي تلقى البنك المركزي المصري ملياري دولار، قيمة الشريحة الخامسة من قرض الصندوق، الذي أشاد بالنتائج الإيجابية التي حققها برنامج الإصلاح الاقتصادي، مبدياً استعداده لدفع الشريحة السادسة والأخيرة في موعدها المتفق عليه بين الجانبين. ولعل أهم النتائج الإيجابية يكمن في الثقة المحلية والإقليمية والدولية التي حصدتها مصر، وبفضلها شهدت تدفقات للنقد الأجنبي تجاوزت 163 مليار دولار في فترة التعويم، وحققت البنوك أعلى معدل «تدفقات دولارية» في تاريخها، الأمر الذي أكد قدرة القطاع المصرفي على تلبية طلبات العملاء كافة، وتغطية حاجات الدولة من النقد الأجنبي، وسداد الالتزامات المتوجبة على بعض المديونيات، وكذلك تمويل التجارة الخارجية، فضلاً عن المساهمة برفع مستوى الاحتياطي النقدي الذي سجل رقماً قياسياً في نوفمبر الماضي بلغ 44,5 مليار دولار، لكنه تراجع بنهاية العام 2018 إلى 42,5 مليار دولار، بسبب استردادات أذون الخزينة من قبل بعض المستثمرين الأجانب، ومع ذلك بقي أعلى مما كان عليه بنهاية عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، في حدود 36 مليار دولار، والذي انخفض في فترة الأحداث إلى نحو 15 مليار دولار.
المسؤولون في القاهرة هللوا لهذه النتيجة، ووصفوها بأنها تعكس النجاح الكبير لخطة تعويم سعر صرف الجنيه والقضاء على عمليات المضاربة في السوق السوداء، إلى غير رجعة، لاسيما أن بعض الخبراء توقع أن يتجاوز الاحتياطي النقدي الخمسين مليار دولار. لاشك في أن المتفائلين، يراهنون على استمرار تدفقات الدولار، بمزيد من القروض، وجذب الاستثمارات الأجنبية في الديون، مستفيدة من الفارق الكبير في سعر الجنيه «المنخفض»، وارتفاع سعر الفائدة.
أما النتائج السلبية، فهي تكمن في ارتفاع تكلفة المعيشة، إذ أن المصريين خسروا تقريباً نصف القوة الشرائية لدخلهم، وكذلك التضخم الذي يأكل من صحنهم، وقد أحدث قلقاً لدى خبراء صندوق النقد الذين وصفوه بأنه خطير جداً، مطالبين بضرورة خفضه. ولكن يبقى المؤشر السلبي الأخطر، تفاقم أزمة الديون، مع الإشارة إلى أن السيطرة على ارتفاع الدين الحكومي تعد من أبرز أهداف برنامج الإصلاح. ووفق أرقام البنك المركزي بلغ حجم الدين الخارجي 95 مليار دولار، والدين الداخلي نحو 3,7 تريليون جنيه (210 مليارات دولار) فيكون مجموع الدين العام تجاوز 300 ملياردولار. وتركز التقارير الدولية على خطورة الدين الخارجي المتزايد نتيجة سياسة الاقتراض، حتى إن وكالة «ستاندرد آند بورز» وصفت مصر بأنها واحدة من أكبر عشرين مقترضاً سيادياً في العالم. وفي الوقت الذي يحذر فيه الصندوق من خطورة هذه الأزمة، فهو يأمل أن تنخفض نسبة إجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي من 92,6 في المئة، إلى 86 في المئة في 2018 – 2019، ثم إلى 83,3 في المئة في 2019 – 2020. مع العلم أن مشكلة الديون في مصر، هي مشكلة تاريخية ومزمنة، إذ بدأت في العام 1810 بعهد محمد علي، وكانت ولاية «قوية» سياسياً واقتصادياً، واستمرت إلى عهد حسني مبارك، في العام 2010، بولاية «ضعيفة» اقتصادياً ومالياً، مع مشاكل اجتماعية متعددة ومتنوعة، كانت من الأسباب الرئيسة لاندلاع الثورتين الشعبيتين، الأولى في 25 يناير 2011، والثانية في 30 يونيو 2013.