منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، ركزت إدارته على تقليص العجز التجاري، حيث مارست ضغوطاً على البلدان الأجنبية حتى تقلّص الحواجز أمام الصادرات الأميركية. غير أن الحكومة الأميركية أفادت مؤخراً بأن العجز التجاري ارتفع بشكل مهم في 2018، إلى 621 مليار دولار. فماذا حدث؟ ألا يفترض أن تكون جهود ترامب حيال الصين وبلدان أخرى قد أتت أكلها وتركت تأثيراً على التجارة مع تلك البلدان، وبالتالي على إجمالي اختلال الميزان التجاري الأميركي؟
للأسف، الأمور لا تجري على هذا النحو، ذلك أن توازن الميزان التجاري الأميركي يعتمد بشكل رئيس على كم ينفق البلد ككل ويكسب ويدخر ويستثمر. فالأميركيون بشكل جماعي ينفقون أكثر من مداخيلهم، ما يعني أن مدخرات البلاد لا تغطي احتياجاتها من الاستثمارات. ولتعويض الفرق، يجب على الولايات المتحدة أن تقترض من الخارج، أي أن الأجانب ينبغي أن يزيدوا ممتلكاتهم من الودائع والأصول المقومة بالدولار. وتدفقات رؤوس الأموال هذه هي الجانب الآخر لاختلال الميزان التجاري.
وبعبارة أخرى، إن اختلال الادخار يؤدي إلى العجز التجاري. وإذا فكرت في الأمر على هذا النحو، فإنك ستجد أن زيادة العجز العام الماضي كانت محتمة في نهاية 2017، عندما وقع ترامب «مشروع قانون الوظائف وخفض الضرائب» وحوّله إلى قانون. فإلى جانب رفع سقف الإنفاق الفيدرالي، زاد التشريعُ الجديد في عجز ميزانية الحكومة بشكل كبير. وهذا وسّع الفارقَ بين الادخار المحلي والاستثمار، ما تطلب تدفقات أكبر لرؤوس الأموال الأجنبية –وعجزاً تجارياً أكبر– من أجل الحفاظ على التوازن.
لكن مهلًا، إذا كانت الحواجز التجارية أخذت تسقط بسرعة أكبر في الخارج منها في الولايات المتحدة، ألا يفترض أن يكون هذا مفيداً؟ بشكل هامشي، ربما؛ ذلك أن الصادرات الأميركية قد ترتفع في بعض البلدان. لكن تزايد عجز الميزانية الفيدرالية لديه تأثير أكبر. فالتحفيز الضريبي يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة الأميركية، ما يجعل الودائع الأميركية أكثر جاذبية للأجانب ويجعل قيمة الدولار أعلى. وبدوره، يقلّص الدولار القوي تنافسيةَ الصادرات الأميركية في الخارج ويزيد تنافسية الواردات الأجنبية في الولايات المتحدة. والنتيجة هي عجز تجاري أكبر. والقصة نفسها وقعت في الثمانينيات، عندما أدى خفض إدارة الرئيس رونالد ريجان للضرائب إلى ارتفاع قيمة الدولار وازدياد العجز التجاري بحدة.
لكن، أليس بوسع الولايات المتحدة أن تكتفي بزيادة التعريفات الجمركية من أجل تقليص الواردات؟ مرة أخرى، أقول إن هذا قد ينجح في حالة بعض السلع والخدمات، لكنه بشكل عام لن يؤدي إلا إلى ارتفاع قيمة الدولار، وانخفاض الصادرات، والتحول إلى نوع مختلف من الواردات. والأدهى أن البلدان الأجنبية قد ترد على ذلك بفرض تعريفات جمركية خاصة بها، مما يقلص الصادرات الأميركية. وفي نهاية المطاف، فإن بيت القصيد لا يتغير: إن التوازن التجاري سيعتمد على الكيفية التي ستؤثر بها هذه التغييرات على التوازن بين الادخار المحلي والاستثمار.
ولنكن واضحين: إن السعي وراء خفض الحواجز الجمركية فكرةٌ جيدةٌ؛ إذ كلما كان عدد الحواجز الجمركية قليلاً، استطاعت الولايات المتحدة التركيز على تصدير السلع والخدمات إلى الأسواق التي تتمتع فيها بامتياز تنافسي. وإزالة الحواجز أمام التجارة يمكن أن تؤدي إلى تخصص أكبر واقتصاديات الحجم الكبير عبر العالم، مما يرفع الإنتاجية ومستويات المعيشة. غير أنه، بالمقابل، يمكنه أيضاً أن يضر بقطاعات ومناطق معينة على المدى القصير، ولهذا، فمن المهم تقديم المساعدة للأشخاص المتضررين. فمن دون هذه المساعدة، يمكن أن يتآكل الدعم السياسي لخفض الحواجز الجمركية مع مرور الوقت، مع ما ينطوي عليه ذلك من تأثيرات بالنسبة لخير العالم ورفاهيته على المدى الطويل.

بيل دادلي
باحث بمركز دراسة السياسيات الاقتصادية في جامعة برينستون
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»