يحتل محور تعزيز العلاقات الثنائية وتعميق مفهوم الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول العالم أهمية كبيرة لدى القيادة الرشيدة للدولة، وذلك باعتباره إحدى أهم ركائز العلاقات الإيجابية والمثمرة بين الدول في العصر الراهن. كما يعكس تركيز القيادة على تطوير علاقاتها مع دول بعينها تمتعها برؤية ثاقبة قوامها الحرص على المصالح الثنائية واستغلال كل الفرص المتاحة للنهوض بمجالات التنمية واستكشاف مجالات أخرى أكبر مردوداً بالنسبة إلى الطرفين.
وبما أن دولة الإمارات تمكنت خلال العقود القليلة من تحقيق تنمية شاملة أهّلتها لتصدر العديد من دول العالم في مجالات التجارة الدولية والتطور التكنولوجي وتوفير مناخ ملائم للاستثمار، جعلها ذلك محط أنظار العديد من دول العالم الساعية إلى تطوير علاقاتها الاقتصادية وتبادل خبراتها في العديد من المجالات الحيوية. وفي هذا السياق بالتحديد يأتي اليوم حرص جمهورية النمسا على تطوير علاقاتها الاقتصادية ورعاية مصالحها المشتركة مع دولة الإمارات، فقد أعرب المستشار النمساوي خلال زيارته لأبوظبي مؤخراً عن رغبة بلاده في ترسيخ وتطوير علاقات بلاده مع الإمارات التي تجسد بالنسبة له "نموذجاً تنموياً وحضارياً، ومركزاً اقتصادياً مهماً، وملتقى للحضارات والثقافات".
التجربة الإماراتية الرائدة في مجال التنمية لم تكن وحدها ما يلفت انتباه قادة دول العالم المتقدم، وإنما العوامل التي أدت إلى إحداث تلك التنمية والظروف المحيطة بها، وما يرتبط بذلك من توجهات داخلية وخارجية تتبناها دولة الإمارات، ولذا فإن نقاش القضايا الإقليمية والدولية وتطورات الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط كان من بين النقاط الأساسية التي تناولها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، خلال لقائه المستشار النمساوي، كما اتفق الطرفان على أهمية تضافر الجهود الدولية لمواجهة خطر التطرف والإرهاب بأشكاله كافة، وأكدا ضرورة تحقيق التنمية والازدهار وترسيخ قيم التسامح والحوار والسلام بين شعوب العالم.
وقد ترجمت زيارة مستشار جمهورية النمسا لدولة الإمارات إلى توقيع اتفاقيات إطارية بين شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" وكل من شركة «أو.إم.في»، وشركة «بورياليس» النمساويتين بهدف استكشاف فرص تعزيز الشراكات الاستراتيجية والاستثمار والتعاون في مجال الطاقة والبتروكيماويات وتبادل المعرفة.
ويأتي اهتمام جمهورية النمسا بالاستثمار وتعزيز الشراكات مع دولة الإمارات في سياق اهتمام واسع من قبل العديد من الدول الغربية الأخرى بالنمو المطّرد للاقتصاد الإماراتي عموماً، وتوسيع مجال إنتاج الطاقة فيها، إذ لا يكاد يمر يوم دون توقيع اتفاقيات استثمارية بين شركات غربية وإماراتية أو استقبال مستثمرين غربيين في مجال الطاقة. من ذلك مثلاً اتفاق حكومة دولة الإمارات مؤخراً مع جمهورية ألمانيا الاتحادية على توسيع نطاق التعاون في مجالات رئيسية عدة من بينها التجارة والاستثمار والعلاقات الاقتصادية، والاقتصاد الأخضر والخدمات المستدامة، والبنية التحتية، والمواصفات والمقاييس، والرعاية الصحية، والتعليم والتدريب، والزراعة والأمن الغذائي، و«إكسبو 2020 دبي» والمدن الذكية. فقد جاء خلال اجتماع الدورة الـ11 للجنة الإماراتية- الألمانية للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني التي انعقدت في العاصمة الألمانية «برلين» مؤخراً، أن البلدين عازمان على توسيع نطاق التعاون في مجموعة من المسارات لتنمية الشراكة والتعاون في مجالات عدة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن دولة الإمارات تعتبر الشريك التجاري العربي الأول لألمانيا، فيما تعد ألمانيا سابع أكبر شريك تجاري عالمي وأكبر شريك تجاري أوروبي لدولة الإمارات، إذ تستحوذ الإمارات على ما نسبته 22% من مجمل التجارة العربية مع ألمانيا. بحسب وزير الاقتصاد معالي المهندس سلطان بن سعيد المنصوري، مضيفاً أن إجمالي حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين وصل في عام 2017 إلى نحو 13.45 مليار دولار، وأنه بلغ خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2018 نحو 9.3 مليار دولار (34.2 مليار درهم)، بنمو في الصادرات الإماراتية إلى ألمانيا بنسبة 122% ونمو في إعادة التصدير نسبته 69% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية