مساء يوم الانتخابات الإسرائيلية، الثلاثاء التاسع من أبريل، وبعد إغلاق الصناديق في العاشرة مساءً بتوقيت القاهرة، أعلنت قنوات التلفزيون والصحف الإسرائيلية نتائج استطلاعات عينات من الناخبين طغى عليها رقم يفيد بأن تحالف «كاحول لفان» بقيادة جانتس قد فاز بـ37 مقعداً على حزب ليكود الذي حصل على 36 مقعداً حسب هذه العينات. هنا خرج جانتس وألقى خطاب النصر مطالباً رئيس الدولة ريفلين بأن يكلفه بتشكيل الحكومة ووعد بأن يكون رئيساً لكل الإسرائيليين.
وفي نفس الوقت خرج نتنياهو مستنداً لنتائج نفس الاستطلاعات والتي أفادت بأن كتلة أحزاب اليمين لديها أغلبية تزيد على نصف عدد مقاعد الكنيست، ليعلن فوز معسكر اليمين بقيادته، مؤكداً أنه سيكون رئيس الوزراء، بل وسارع إلى الاتصال بالحزبين الدينيين الحريديين شاس ويهدوت هتوراه ليدعوهما إلى الانضمام لحكومته فوافقا.
إذن استند جانتس في إعلان الفوز على أنه الحزب الأكبر بناءً على هذه الاستطلاعات، واستند نتنياهو على أن معسكره لديه أغلبية مقاعد الكنيست. هذان السندان يمكن لرئيس الدولة أن يختار أحدهما ليحدد الشخص الذي سيكلفه بتشكيل الحكومة، وهو أمر له سابقة في انتخابات 2009 عندما فاز حزب كاديما بزعامة تسيبي ليفني بـ28 مقعداً وفاز ليكود بـ27 مقعداً، فتم تكليفها أولاً بتشكيل الحكومة لكنها لم تنجح في التشكيل لأن أحزاب اليمين رفضت الانضمام إليها فتم تكليف نتنياهو بالتشكيل ونجح لأن أحزاب اليمين التفت حوله ومنحت حكومته أغلبية المقاعد اللازمة.
بعد ساعات من المشهد السابق بدأت لجنة الانتخابات في إعلان نتائج فرز الصناديق، ومع الساعة الثانية والنصف من صباح الأربعاء بتوقيت القاهرة وصلت نسبة الفرز إلى 41 في المئة من الأصوات، وهنا تغيرت الصورة وأصبح ليكود متقدماً بـ40 مقعداً على تحالف جانتس (35 مقعداً).
طبعاً كان متوقعاً أن تتغير هذه النتيجة كلما زاد عدد الأصوات المفروزة، وهو ما حدث عندما بلغت نسبة الفرز 97 من الأصوات الساعة الثامنة صباح الأربعاء بتوقيت فلسطين، حيث أوضحت هذه النسبة أن هناك تعادلاً بحصول كل من حزبي جانتس ونتنياهو على 35 مقعداً. في نفس الوقت تبين أن معسكر اليمين لديه الأغلبية بـ65 مقعداً متقدماً على معسكر الوسط واليسار والعرب الذي حاز على 55 مقعداً فقط، وهو وضع يمكِّن نتنياهو من تشكيل حكومة يمينية مستقرة، غير أن جانتس لم يسلم بهذا وطالب أنصاره صباح الأربعاء بانتظار فرز جميع أوراق التصويت متوقِّعاً أن تتغير الصورة ويعود للتقدم من جديد.
وتبين مع ظهر الأربعاء وفرز معظم الأصوات العادية فيما عدا 1500 صوت بها مشكلات، أن النتيجة بقيت التعادل على المستوى الثنائي بـ35 مقعداً لكل من جانتس ونتنياهو مع تميز نتنياهو بتفوق معسكره بأغلبية 65 مقعداً ولم تتبق حتى كتابة هذا المقال سوى أصوات الجنود ومجموعها 230 ألف صوت تمثل نسبة 5 أو 6 في المئة من مجموع الناخبين، وعادة تُعلَن نتائج فرزها متأخرةً. إذا لم تحدِث هذه الأصوات فارقاً بالنسبة للحزبين، فستبقى نتيجة التعادل قائمة وستواصل مانشتات الصحف ما بدأته منذ ظهر الأربعاء من إعلان فوز نتنياهو بتشكيل الحكومة.
في مقال الأسبوع الماضي (السلام والانتخابات الإسرائيلية) ختمت متوقعاً أن يرسل الرئيس الأميركي ترامب إشارات بأنه يفضل أن يرى حكومة تجمع بين حزبي نتنياهو وجانتس بعيداً عن الأحزاب اليمينية المتطرفة، ليمكنها الاستجابة للتعديلات التي أدخلها على خطة صفقة القرن نتيجة لمطالبات الدول العربية. إن تعادل الحزبين الكبيرين يمنح ترامب هذه الفرصة ما لم يكن نتنياهو مصمماً على المراوغة والتهرب من حل الدولتين وبالتالي يفضل تشكيل حكومة يمينية مع معسكره تاركاً تحالف «أزرق أبيض» في المعارضة.