عندما تقع أعيننا على أخبار وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي تملأ الصحف، والتي دفعت البعض إلى وصف مسؤولي الوزارة بـ"نجوم التصريحات"، ربما نتصوّر أننا بصدد متابعة "شائعات تسويقية" تروّج لفيلم عربي قديم أو نسخة رديئة من أحد أفلام "الأكشن"، فقد كانت الوزارة ملء السمع والبصر طيلة الأيام القلائل الماضية، ليس فقط بأخبار "المطاردة" المثيرة الجارية على قدم وساق لاكتشاف التّجار الموظفين أو الموظفين التجار، ولكنها أيضاً تشغل الناس والإعلام بأخبار "الحوادث" التي تقع بداخلها!! فبالأمس نشرت إحدى الصحف خبراً حول اختفاء مذكرة وقّع عليها 30 موظفاً من العاملين في الوزارة كانوا قد قرروا رفعها إلى د. علي عبدالله الكعبي، وزير العمل والشؤون الاجتماعية، للمطالبة بالكشف عن الأشخاص المتورطين في عملية المتاجرة بالتأشيرات حفاظاً على سمعة ونزاهة الغالبية العظمى من موظفي الوزارة الذين تم وضعهم في السلة نفسها مع المتاجرين بالتأشيرات. وقالت مصادر في الوزارة وصفتها الصحيفة بأنها "رسمية" إن المذكرة "اختفت" من مكتب أحد الموظفين أثناء ذهابه لأداء صلاة الظهر!! الوزير كشف منذ البداية عن أنه "يتواصل" مع موظفيه عبر "الإيميل" و"الإنترنت" ثم أعلن عن فكرة "العميل السرّي"، إلى أن وصلنا إلى سرقة المذكرات وتسرّب الشائعات والتفسيرات فيما يشبه الحرب النفسية وعمليات القرصنة والسطو على الأدراج وتعقّب الأفكار وعقد التحالفات وأجواء الإحباط وانقسام الموظفين وفقاً لسياسة المحاور إلى جبهتين "مع أو ضد"!!.
لا أحد يشكّك في صدقية نوايا الوزير نحو التغيير وبتر الأعضاء الفاسدة من الوزارة، ولكنه يدير "معركته" من خلال الإعلام فقط بحيث بدت وكأنها معركة تصريحات لا تعبّر عن استراتيجية تدريجية تمتلك أولويات محددة وذات "مخالب" قادرة على غرس أظافر التجديد في جسد الخروقات والثغرات والسلبيات، وبالتالي كان "لجوء" الوزير إلى "سلاح الإعلام" رهانا مزدوج التأثير، وأحدث نوعاً من الاستقطاب الشعبي بين مؤيد ومعارض وأتاح الفرصة للموظفين المتلاعبين لاستخدام السلاح ذاته في مواجهة حركة الإصلاح والتغيير بالوزارة، فقيادات الوزارة اعتقدت أن الإعلام سيلعب لمصلحتها وسيفرز نوعاً من الضغط على "هوامير التأشيرات"، ولكن الإعلام يبحث فقط - وهذا حقه - عن الأخبار ويجري وراء الأحداث ولا يلعب لمصلحة أحد ويولّد الضغط في الاتجاه الذي تصب فيه الأخبار لا حيث يريد هذا أو ذاك، وهذه الأجواء لا تبدو مناسبة للعمل في وزارة "العمل" التي تحمل على كتفيها الملف الحيوي الأهم، وهو ملف سوق العمل والعمالة الوافدة وما يرتبط به من ظواهر سلبية عديدة.
منذ إطلاق فكرة "العميل السرّي" وحتى "صرعة" الاستقالات الجماعية، ظلت الوزارة مثيرة للجدل، ولكن الخوف أن تكون الوزارة "تحارب" على الجبهة الخطأ وتخوض معركة تشغلها عن "معركتها" الأصلية!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية