عالمنا الذي تقع فيه أمور مروعة كل يوم، يعيش حالة حداد. وليس الحداد من أجل لحم ودم لكن من أجل بناء من الحجر والزجاج والخشب عمره قرون. فهناك شيء ما في حريق نوتردام أطلق طوفان المرثيات. فمن لا يكتبون قصصهم عن كاتدرائية باريس المحترقة، يقرأون قصص الآخرين فيمت يبدو. فما سبب التأثير الشديد لهذا الحادث؟ ماذا في مبنى، وفي هذا المبنى بعينه، يجعله يطلق فيضا من الدموع والتغريدات والأفكار والتبرعات الخيرية؟ كل هذا من أجل كنيسة كاثوليكية فرنسية وكثير من هذا الفيض من أشخاص ليسوا كاثوليك وليسوا حتى فرنسيين. والإجابة قد تكون مدفونة في لغز أكبر في مأساة الكاتدرائية، فربما كانت النيران التي أمسكت بسطح الكاتدرائية وأحرقته مجرد حادثة.
وعمر الكاتدرائية الذي يبلغ 856 عاما ليس كافيا في الواقع كي يفسر سبب حدادنا على كاتدرائية نوتردام جماعياً وعلناً في الوقت الذي لم نقم فيه الحداد على أشياء أخرى كثيرة. الأمر كما لو أن كل سياسي وكل شخصية شهيرة وكل زميل دراسة في تدوينه على صفحتك في فيسبوك يتعين أن يخبرونا أنهم يبكون.
والبعض يقول إننا مرتبطون بالأشياء القديمة لأنها تؤكد لنا حقيقة أن كل واحد يموت لا يعني أن كل شيء يموت معه. وما حدث في نوتردام يدفعنا نحو الاهتمام بمعالم عبقة بالتاريخ مثل نوتردام تحتضر أيضا لكننا نشاهدها في صمت نسبي، مثل الأحياء القديمة من مدينة حلب التي يرجع تاريخها لآلاف السنين وتدميرها يعني تدمير ما بناه الرومان والبيزنطيون والعثمانيون وغيرهم. والتاريخ المعماري لليمن مازال مهدداً.
إن تحويل مبنى إلى رمز أسهل من تحويل بشر إلى رمز. فضحايا إطلاق النار الجماعي الذي أصبح معتادا حاليا في الولايات المتحدة، فالمدن القديمة الأخرى التي تم دكها والمآسي الأخرى مهمة بما يكفي للفت انتباه العالم لكن معظمها لم يحدث من تلقاء نفسه. بينما حدث اشتعال نوتردام عرضا فيما يبدو، فالحوادث العشوائية تدفعنا للعثور على معنى حين يعز المعنى. إنها تدفع السياسة للخروج من المشكلة، وتسمح بدخول الحس العالمي إلى التسلل إليها.
اشتهرت كاتدرائية نوتردام بأنها شهدت وصمدت أمام اضطرابات امتدت من الثورات إلى الحروب العالمية. والآن قد أصبحت الاضطرابات حالاً راهناً فيما يبدو. فمن المؤلم الحديث عن كل شيء قمنا به من خطأ، وربما من المفضل، وإن كان هو العسل المر، أن نتحدث عن شيء أصبنا فيه. كاتدرائية نوتردام هي كتاب الحضارة وطبقات متراكمة من البشرية كل منها يقوم فوق ما سبقه ليقيم شيئا جديدا وقديما في الوقت نفسه. لقد كانت ومازالت جميلة. وحين نبكيها فإننا نحيي أنفسنا أيضاً على وجودها.
*صحفية متخصصة في القضايا الاجتماعية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»