سمعة إيران التي تزعم من خلالها أنها «مساندة للفلسطينيين» جعلت الكثير في العالم العربي لا يستمع إلى التصريحات التي تبين خطورة إيران ورؤيتها وأفعالها في المنطقة والإقليم، بدليل أن الكثير ممن يُحسبون على اليسار العربي أصبحوا، ليس فقط لا يستمعون إلى مثل هذه التصريحات، بل تحولوا إلى منظّرين لسياسة إيران وأهمية وتبرير ما تقوم به من أعمال عدائية على الصعد كافة وفي غير موقع عربي، ينضم إليهم «الإخوان»، بل إن بعض هذا اليسار يخفف من وقع قربه لإيران وتبنيه لسلوكها السياسي والعسكري المليشياوي ضد دول المنطقة الخليجية بل والعربية، بالحديث عن (إن قربه من إيران لا ينبع من حب لها، إنما ينبع من كرههِ لأعدائها. في إشارة إلى أن إسرائيل هي عدوة إيران والعكس. وهذه العملية تنطوي على تضليل ودسيسة، باتت مكشوفة لكل مهتم له في الثقافة والسياسة والإطلاع العام، نصيب، فلا إيران عدوة لإسرائيل ولا إسرائيل عدوة لإيران، كما يعتقد بعضنا العرب.
إيران اليوم، التي بشّرت شعبها يوماً أنها ستكون «يابان غرب آسيا» بعد الشاة، فيها اليوم 25 ألف إسرائيلي (يتنقلون بحرية بين طهران وتل أبيب عبر تركيا)، و40 كنيساً يهودياً، والاتصالات الهاتفية باتت مباشرة ولم تنقطع يوماً، وهنالك مستشفى يهودي خاص في طهران، إضافة إلى مقابرهم الخاصة.
وينقل «تريتا بارزي» مؤلف كتاب (حلف المصالح المشتركة: التعاملات السياسية بين إسرائيل وإيران وأميركا) قصة تعود إلى عام 486 قبل الميلاد من الكتاب المقدس عند اليهود:(كانت إسثير ابنة تاجر يهودي من مدينة سوسا بإيران، رأى الملك الفارسي جمالها فجعلها ملكة من غير أن يعرف شيئاً عن جذورها اليهودية. بعد أن تبوّأت العرش، علمت إسثير بأمر مؤامرة تدبّر في المملكة لقتل كافة اليهود، لم يكن يحيكها الفرس وإنما أبناء أقلية أخرى، الأمالكيين. اقتربت من الملك إسثير ودعته ودعت المتآمر الرئيس هامان لحضور مأدبة أعدتها، وأرادت من خلالها التقدم إلى الملك الفارسي بالتماس. سأل الملك إسثير عن التماسها: قولي لي ما هو طلبك؟ كان على إسثير انتظار اللحظة المناسبة وها قد وصلت. قالت (إذا كان ذلك يرضي جلالتكم فأسألك أن تمنحني حياتي، فقد جرى بيعي وبيع شعبي للدمار والذبح والإبادة. طلب الملك معرفة اسم المتآمر. أجابت إسثير بثقة: (هامان). عُلّق هامان على حبل المشنقة، وأُنقذ يهود فارس من الموت). صموئيل بار من مركز المناهج المتعدّدة ومسؤول قديم في الاستخبارات الإسرائيلية يعلّق:(لقد تصرفت إسثير بطريقة فارسية مثالية، خدعت الأطراف الأقوياء، وأخفت نواياها عنهم - التقيّة - وتلاعبت بهم، وأقنعتهم بخوض حروبها نيابة عنها). ولعل هذا ما جعل مركز شالم في القدس يدعو إلى تعلّم الإسرائيليين المواهب الفطريّة التلاعبية الإيرانية لدى إسثير وتوظيفها في دبلوماسيتهم). «إيهود باري» إعلامي إسرائيلي علّق على القصة بالقول: (هذه أسطورة اخترعتها أيادي إيران القديمة، ليقولوا إن لدى الإيرانيين سبعة آلاف سنة من الدبلوماسية تحت عمائم ملالي اليوم. أنا لا أصدقهم). ينقل المؤلف عن خبراء إسرائيليين أنه (يُنظر إلى الإيرانيين على أنهم أسياد في الخداع، والحقيقة أن هذا اللقب أُطلق على يهود أوروبا. إن تقديرنا للإيرانيين نابع من أنهم شديدو الاختلاف عن العرب. فعندما نقوم بتصنيف أعدائنا، نصنّف العرب بأنهم متزمتون.. لكن تصنيف الإيرانيين أصعب بكثير على الإسرائيليين لأنهم شديدو الشبه بنا).
*إعلامي وكاتب صحافي