بعد 70 عاماً، من قيادة جورج مارشال وزير الخارجية الأميركي، مسعى ناجحاً إلى حد كبير لمنع الاتحاد السوفييتي من الهيمنة على أوروبا الغربية، تهدد حرب الرئيس دونالد ترامب مع الصين بالتصعيد إلى حالة دائمة من العداء المتبادل أو وقوع حرب باردة، أو ربما ساخنة، كما حذر جراهام اليسون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد.
والمراهنات هذه المرة قد تكون أعلى، فقد كان الاتحاد السوفييتي يقدم تحدياً هائلاً للولايات المتحدة بقوته العسكرية الكبيرة، لكنه كان ضعيفاً اقتصادياً ومقيداً بنظام سياسي جامد. وفي المقابل لا تملك الصين جيشاً قوياً فحسب، لكنها قد تتقدم على الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم. وطورت أيضاً تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، ونظاماً عالي الكفاءة للحكم. باختصار، الصين تمثل منافساً استراتيجياً لا يشبه أياً من المنافسين، الذين واجهتهم الولايات المتحدة منذ أن أصبحت قوة عالمية. والصين قوة تهدد بأن تحتل عرش القوة المهيمنة عالمياً.
وحتى الآن، كان الفشل من نصيب محاولات ترامب، تقليص تقدم الصين نحو الصعود الاقتصادي والاستراتيجي. ولذا، حان وقت إحياء النموذج الذي حقق نجاحاً كبيراً لمارشال في نهاية أربعينيات القرن الماضي. وتضمن نموذج مارشال أفكاراً عن التجارة الحرة والأمن المشترك، لبناء حلفاء لأميركا في أوروبا الغربية، واحتواء الاتحاد السوفييتي، ومنح الولايات المتحدة ميزة حاسمة. مثل هذا النهج يقدم للولايات المتحدة ورقة ضغط مهمة بشكل حاسم، للتفاوض من أجل صفقات أفضل مع الصينيين.
ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، كبح مارشال محاولات الزعيم السوفييتي، جوزيف ستالين، للهيمنة على كل أوروبا، بتقديم حافزين قويين هما التجارة والأمن لدول أوروبا الغربية. وتضمنت خطة مارشال 13 مليار دولار من المساعدات، لكنها كانت في الأساس صفقة تجارية. وكان الدافع إليها في جانب كبير، هو الحاجة لإصلاح الأسواق في أوروبا، حتى تستطيع الصناعة الأميركية بعد الحرب أن تشتري وتبيع سلعاً وبضائع مع هذه الدول. ولحماية هذه الأسواق، دافع مارشال عن بناء تحالف أمني عبر الأطلسي، وهو حلف شمال الأطلسي (ناتو).
ونجح مهندسو خطة مارشال، أيضاً، لأنهم ربطوا تقديم المساعدات المالية الهائلة بمدى ما تجريه دول أوروبا الغربية من إصلاحات سياسية مفيدة. وهذه الدول لديها تاريخ وتقاليد في الحكم الكفوء، مما جعل مثل هذه الشروط قابلة للتحقق. والجمع بين المساعدات والإصلاح قلص الحواجز التجارية، وحقق الاستقرار للعملة، وأعاد الثقة في النظام النقدي لأوروبا الغربية.
ورغم أن الولايات المتحدة، لديها نفوذ أقل طبيعياً على الصين، مما تمتعت به على الدول التي كانت مزقتها الحرب في أوروبا الغربية، لكن هناك وسيلة لكسب المزيد من النفوذ. فيجب على فريق ترامب استئناف المفاوضات مع دول الشراكة عبر الهادي، كما فعلت في تنقيح وتعديل اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا). ويجب السعي إلى إقامة علاقات أمنية أوثق مع الدول في المنطقة، كما فعل فريق مارشال مع أوروبا الغربية. وتنقيح وصياغة جديدة لاتفاقية الشراكة عبر الهادي، سيقلص أيضاً الاعتماد الاقتصادي والسياسي لدول حافة الهادي على الصين. ويتعين على فريق ترامب، التحلي بالهدوء والثقة كما فعل مارشال ومعاونوه.
ولسوء الحظ، لا تقدم لنا سنوات مارشال كدبلوماسي دروساً مفيدة، لمعالجة أكثر المشكلات صعوبة، التي ويواجهها وزير خارجية ترامب ومفاوضوه التجاريون، فيما يتعلق بكفية منع شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة من الصعود إلى الصدارة، في مجال البنية التحتية الرقمية العالمية. لكن هناك مبادرة أخرى جرت في أربعينيات القرن الماضي، وهي مشروع مانهاتن للجيش الأميركي، ربما تقدم حلاً.
فمن منظور أمني قومي، تمثل السيطرة على البنية التحتية الرقمية، اليوم، أهمية حيوية تضارع أهمية امتلاك قنبلة نووية عام 1945. ولأن جهود الولايات المتحدة لإبطاء مسيرة شركتي هاواوي وزد. تي. إي. نحو الهيمنة، من خلال التهديدات والعقوبات قد لا تجدي، يتعين على شركات التكنولوجيا الأميركية بمساعدة من حوافز حكومية والمجتمع الأكاديمي والشركات من أنحاء الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة أن تطور قدراتها الخاصة للمنافسة الكفوء مع الشركات الصينية القومية. يجب على إدارة ترامب، أن تفكر في الدعوة إلى «مشروع مانهاتن للتكنولوجيا المتقدمة»، بغرض جعل الولايات المتحدة مهيمنة تكنولوجياً.

*مؤلف كتابي: «جورج مارشال: المدافع عن الجمهورية» و«لمسة هوبكنز»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»