لم يكن غريباً على الإطلاق أن تحظى الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الصين باهتمام غير مسبوق على الصعد الرسمية والإعلامية والشعبية. فقد تصدرت أنباء الزيارة ردود أفعال مواطنين كثر من البلدين، واجتاح وسم (#زيارة_محمد_بن_زايد_للصين) موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، محققاً 170 مليون متابعة حول العالم ليحتل صدارة ترتيب قائمة (ترند الإمارات)، وما دعم هذا القول بالتأكيد الاستقبال اللافت الذي حظي به سموه في بلد المليار نسمة.
خلال تلك الزيارة صرّح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بعدة تصريحات استوقفتني، من بينها قول سموه (إن دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية تجمعهما تطلعات وطموحات ورؤى مشتركة للاستثمار في بناء الإنسان ولمستقبل يسوده الأمان والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم)، وكذلك قول سموه عن أهمية استمرار الملاحة البحرية بأمان مؤكداً أن: (الإمارات حريصة على حرية حركة الملاحة في الخليج العربي والشرق الأوسط)، ملمّحاً إلى التعاون مع الصين وغيرها من الدول الصديقة لضمان حرية حركة الملاحة وضمان التدفق الآمن لإمدادات النفط إلى العالم.
وقد جاء الرد سريعاً وواضحاً على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي قال (الصين تؤيد الجهود الإماراتية لتوفير الأمن الإقليمي والاستقرار، وتدعو الأطراف المعنية لضبط النفس والهدوء، وحل الصراعات عن طريق الحوار).
إن جمهورية الصين الشعبية باعتبارها دولة عظمى وعريقة، لها دور حيوي في العالم سياسياً وأمنياً واقتصادياً، كما تعد قوة استقرار مهمة في القارة الآسيوية. ولهذا فإن تطابق وجهات النظر في مختلف القضايا بين الدولتين -الإمارات والصين-يحقق مصالح مشتركة مهمة لهما بالدرجة الأولى، وللمنطقة والعالم من جهة أخرى، خاصة أن الصين تعمل على ربط القارات بحزام قوي من المشروعات التنموية والبنية التحتية ضمن مبادرتها التي أطلقتها عام 2013 تحت مسمى (الحزام والطريق)، وتبقى دولة الإمارات -التي وصفها معالي «وانغ يي» وزير خارجية الصين بأنها (اللؤلؤة اللامعة على طريق الحرير)- شريكاً مهماً في المشروع لما تمتلكه من مقومات وبنى تحتية.
كل ما سبق ذكره يعدّ امتداداً لجذور العلاقات التجارية الراسخة بين الإمارات والصين منذ القدم، والتي استمرت قائمة حتى اليوم على عدة مستويات، سياسية وثقافية وعلمية وتعليمية واقتصادية. فقد كانت الصين في عام 2018 الشريك التجاري الأهم للإمارات في التجارة السلعية غير النفطية مستحوذة على ما نسبته 9.7% من إجمالي التجارة غير النفطية، وبقيمة تتجاوز 43 مليار دولار، أي ما نسبته 16% من إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات مع دول قارة آسيا، فيما استأثرت الصين بما نسبته 15% من إجمالي واردات الإمارات من السلع خلال 2018 لتحتل المرتبة الأولى في هذا الشأن بقيمة تتجاوز 38 مليار دولار.
أما في الأشهر الأربع الأولى من العام الجاري فقد نما التبادل التجاري بين البلدين – حسب المصلحة العامة للجمارك الصينية -بأكثر من 15.3% مقارنة بالفترة المقابلة من العام 2018، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين صادرات وواردات 15.1 مليار دولار أميركي. ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى 70 مليار دولار بحلول 2020.
لقد أجاد سمو ولي عهد أبوظبي بزياراته التاريخية ضبط المسافات وتحديد الأطر الدبلوماسية والسياسية بما يبقي الدولة على مسافة واحدة من جميع العواصم من واشنطن إلى موسكو ومن لندن إلى باريس. وثمة عوامل كثيرة تمكّن القائد من تحقيق سياسة بلده، من وعيٍ وحكمة وبُعد نظر، إضافة إلى تلك الكاريزما الخاصة التي تمكّنه من تأسيس حضور لافت له.
أما الشعب فإنه وبفطرته السليمة ووعيهِ يدعم تحركات قيادة بلده التي تعمل من أجله، ولهذا لم يدهشني تفاعل الناس مع وسم (#زيارة_محمد_بن_زايد_للصين) بقدر ما أفرحني، وعزّز لدي قناعة بأن وسائل التواصل الحديثة تسهم كثيراً في فتح النوافذ والأبواب، خاصة وأنها أصبحت تشكّل أداةً لقياس توجهات الرأي العام إزاء مختلف القضايا، فضلاً عن دورها كقناة اتصال بين القيادة والشعب كما هو الحال في الإمارات، إذ يحرص مسؤولوها ودون استثناء على تفعيل تلك القناة، مستنيرين بقيادتهم التي لا تدخر جهداً في سبيل التواصل مع المواطنين، ودعمهم، وحثهم على استكمال طريق النجاح بما يفيد الوطن والمواطنين.