لو كانت العولمة عبارة عن أسهم وسندات، لكانت أسعارها قد ارتفعت ارتفاعا كبيرا في الآونة الأخيرة.
منذ خمس سنوات خلت، كانت احتجاجات الشوارع المضادة للعولمة، تكتسب كل يوم زخما جديدا. أما الآن، فإننا نجد أن الشوارع قد خلت من معارضي العولمة، الذين اختفوا تماما - أو لعلهم دخلوا في مرحلة من مراحل البيات الشتوي.
ومنذ خمس سنوات أيضا، كان البعض من حسني النية يشكون في جدوى التجارة الحرة للدول الفقيرة. أما اليوم فإنني أسمع شكاوى متزايدة من الحواجز التي تقيمها الدول الغنية، والتي تهدد بخنق صادرات الدول الفقيرة إلى تلك الدول.
وفي تسعينيات القرن الماضي، كان يتم تحديد شروط الجدل حول العولمة من قبل أشخاص مثل "لوري والاش" وهو من ألد أعداء العولمة. أما اليوم فإن تلك الشروط يتم تحديدها من قبل أشخاص مثل مغني الروك الأيرلندي "بونو"، الذي يقود حملات من أجل حرية التجارة، ومن أجل تقديم المساعدات، وتخفيف الديون عن كاهل الدول الفقيرة.
من الخطورة بمكان أن نبدأ الآن في التشفي من أعداء العولمة. ولكننا نقول مع ذلك إن الظواهر التي تلوح أمامنا تدل على أن ذلك النصر الذي تحقق حتى الآن يمكن أن يستمر إلى الأبد. فالاعتراضات التي تم طرحها ضد العولمة، كانت اعتراضات واهية إلى درجة أنها تلاشت الآن. يتبين ذلك بشكل خاص من الدراسة التي أجراها البنك الدولي، والتي خلصت إلى أن الدول الفقيرة "المتعولمة" قد حققت مكاسب في دخلها بنسبة خمسة في المئة في عقد التسعينيات من القرن الماضي، وهو ما يزيد بمرتين ونصف عن معدل الزيادة في الدخل الذي حققته الدول المتقدمة، في حين لم تحقق الدول غير المتعولمة أية زيادة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن العولمة نجت كذلك من تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، كما لم تتحقق التنبؤات المتشائمة التي تنبأ بها البعض مثل "جون جراي" المعلق البريطاني البارز الذي كتب عقب تلك الهجمات يقول:"إن عصر العولمة قد انتهى".
لم يحدِثْ ذلك بالطبع، على الرغم من أنه ساد في البداية - وبمحض الصدفة- نوع من التباطؤ الاقتصادي العالمي، الذي أعطى لدعاوى المتشائمين بعض المصداقية، والذي تمثل في ركود التجارة عام 2001، وهبوط الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى النصف تقريبا. وعلى الرغم من أن الهموم المتعلقة بمكافحة الإرهاب قد تسببت في تباطؤ حركة العولمة - على الأقل من حيث إن تلك الإجراءات قد أبعدت طلاب التأشيرات الذين كان يجب على أميركا أن تقوم باستقبالهم- إلا أن ذلك تم تعويضه من خلال زيادة وتيرة العولمة في مجالات أخرى، شكلت جبهة جديدة في الحقيقة، وهي عولمة الخدمات مثل المحاسبة الضريبية وتشخيص الأمراض.
نخلص من ذلك إلى أن العولمة تبدو الآن في حالة طيبة. وعلى الرغم من أن العولمة تحقق الرخاء للدول كما يفترض، إلا أنها تجلب معها تحديات في نفس الوقت. فنحن نواجه - بسبب العولمة- عصابات الإرهاب، وتكتلات المخدرات، وشبكات غسيل الأموال، ناهيك عن الانتشار العالمي للأمراض المعدية والمشكلات البيئية المؤقتة. والمشكلة في هذا الصدد تكمن في أنه لا توجد لدينا مؤسسات كافية لمواجهة مثل تلك التحديات وخصوصا أن العولمة الاقتصادية لم تتم موازاتها بعولمة سياسية.
وعلى الرغم من أننا ندرك ذلك، إلا أننا لا نبذل الجهود الكافية لمواجهته.
وإذا ما أردنا أن نشتبك مع التهديدات التي تجلبها العولمة فيتعين علينا في المقام الأول أن نفعل شيئا حيال إنقاذ الدول الفاشلة، التي تنمو فيها تلك التهديدات وتزدهر. ولأننا نعرف أن الأمر على هذا النحو، فقد قمنا بزيادة مساعدات التنمية الرسمية التي يتم تقديمها إلى تلك الدول، ولكن تلك الزيادة ليست كافية بأي حال من الأحوال.
علاوة على ذلك فإننا نعرف أن الدول الضعيفة سوف تكون لديها فرصة طيبة لأن تزداد قوة، إذا ما قامت بالتصدير إلى الدول الغنية، ولكننا نعرف أيضا أن الدول التي تتميز في المنتجات الزراعية والمنسوجات، وهي الأشياء الأكثر قابلية للتصدير إلى الدول الغنية، هي من الدول الأقل حرية في العالم، وهو ما يتطلب منا العمل على تحسين نظم الحكم في مثل تلك الدول في المقام الأول.
بالإضافة إلى تحسين نظم الحكم في الدول الفاشلة، فإننا نريد أيضا مؤسسات عالمية أكثر قوة. وفي الحقيقة أننا لا نعاني من نقص في المقترحات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف، ولكن المشكلة ليست في عدد المقترحات الموجودة بقدر ما هي في تنفيذ تلك المقترحات. فبراعتنا في الشكوى من المنظمات والمؤسسات العولمية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، أكثر من براعتنا في استنباط الحلول، وعمل الخطط الرامية إلى إدامة تلك المؤسسات والمنظمات، ومساعدتها على تنفيذ أهدافها.
لكي ندرك ذلك على وجهه الصحيح، يكفي أن ننظر إلى تلك الطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع ما أطلقت عليه "فضيحة النفط مقابل الغذاء". فالفضيحة الأكبر لم تكن فيما تم من تجاوزات في ذلك البرنامج، بقدر ما تمثلت فيما قام به مروجو الفضائح والإشاعات في واشنطن. صحيح أن هناك أموالا صرف