أخذت ديون تركيا المفرطة تغيّر عادات الإنفاق في مشروع الدواجن البالغ قيمته 10 ملايين دولار الذي يملكه «هاليت دريكجي». فشركة دريكجي «إس إم دجي فود»، الواقعة بالقرب من ساحل إيجه، توقفت عن الاقتراض وخفضت حجم الاستثمار في وقت تسعى فيه إلى زيادة صادراتها سالكةً طريق نمو أكثر محافظة في ظروف اقتصادية غير أكيدة.
ويرصد «دريكجي» تجربته قائلاً: «إن التشاؤم ارتفع إلى مستوى غير مسبوق، وبتُّ أستثمر بشكل أقل هذه الأيام وأركز على تسديد كل القروض التي على ذمتي. ولا أريد القيام باستثمارات جديدة من خلال الاقتراض بعد اليوم». وعقب صدمة العملة التركية العام الماضي، أصبح تقليص الدين ثابتا من ثوابت اقتصادٍ يتكيف مع ظروف اقتصادية عصيبة بعد قرابة عقد من النمو بوساطة الائتمان، ما يعد من أكبر التحديات التي تواجه رؤية الحكومة لإعادة الانبعاث الاقتصادي، في وقت تعمل فيه الشركات على جمع المال لتسديد ديونها.
التحول يفسّر لماذا قد لا يظل الائتمان الرخيص العلاجَ القوي والفعال الذي أفاد الرئيس رجب طيب أردوغان جيدا ذات يوم. فرغم أن البنوك التابعة للدولة تضخ المال في الاقتصاد، ورغم أن البنك المركزي خفض معدلات الفائدة بـ10 نقاط مئوية كاملة منذ يوليو الماضي، إلا أن الإقراض يسجل بطئا في الإقلاع.
وخبراء الاقتصاد لا يتوقعون توقف هذا الاتجاه أيضا لأن الأسباب التي تحرّكه هي تخوفات بشأن المستقبل. وفي هذا الصدد، يقول زمرد إمام أوغلو، كبير الاقتصاديين في «توسياد»، وهي أكبر مجموعة تجارية في تركيا: «إن المشكلة الرئيسية هي نقص الثقة في الاقتصاد».
حكومة أردوغان، التي لم تردعها الأرقام والمؤشرات الاقتصادية السلبية، رفعت بشكل دراماتيكي هدفها للنمو الاقتصادي إلى 5 في المئة للفترة ما بين 2020 و2022 بعد خفض توقعات هذا العام إلى قرابة الصفر. وسيعتمد نجاحها على قوة القطاع الخاص والاستثمارات والصادرات، مع اعتماد الحكومة مرة أخرى على الائتمان الرخيص من أجل منح الاقتصاد دفعة سريعة بدلا من الإصلاح العميق الذي يدعو إليه المستثمرون.
ولتسهيل تدفق الائتمان، أرخت السلطات القيود على كمية الأموال التي يجب على البنوك أن تضعها جانبا كاحتياطيات، مكافئةً البنوك التي تسجل نموا في الإقراض ب10 إلى 20 في المئة.
غير أنه باستثناء البنوك التابعة للدولة، ليست ثمة فوائد حقيقية حتى الآن. ذلك أن الشركات قلقة من الاقتراض رغم انخفاض متوسط المعدل على القروض بالليرة التركية إلى 15.5 في المئة، أي نصف أعلى مستوى لها العام الماضي. ونمو القروض على أساس سنوي، وبعد تكيفه مع تقلبات العملة الأجنبية، يناهز 10 في المئة بعد أن كان بلغ 20 في المئة لفترة وجيزة في أبريل الماضي.
وفي هذا الصدد، قال رئيس «البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية» سوما شاكرابارتي في حوار معه: «إن تحقيق النمو من خلال قناة الائتمان سيمثّل تحدياً صعبا»، مضيفا «إن الشركات والبنوك مثقلة بديون كثيرة مقارنة مع قبل 10 سنوات. ولهذا، فإنه لن يكون من السهل تحفيز الاقتصاد عبر هذه الآلية».
وفي الوقت الراهن، ما زال جزء كبير من الاقتصاد يعاني رغم ركود قصير في وقت سابق من هذا العام. فالبطالة ارتفعت إلى مستوى قياسي، مؤشرات النشاط الصناعي تتقلص كل شهر تقريباً منذ أبريل 2018.
آسلي كاندمير وكاجان كوك*
*صحفيان متخصصان في الشؤون التركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»