تفيد تقارير بتزايد النفوذ الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونجو. ويأتي هذا في ظل نفوذ الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، داخل القارة الأفريقية. هذه القوى الدولية استثمرت مليارات الدولارات في الاقتصاد الأفريقي الآخذ في التوسع. ولكن على أفريقيا أن تكون حذرة من هذه الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها أقوى الدول في العالم. فتاريخياً، عندما تتطلع القوى الخارجية إلى أفريقيا وتنظر إليها باعتبارها مصدراً للمواد الخام أو الأسواق، فإن الأفارقة أنفسهم هم الذين يدفعون الثمن في كثير من الأحيان.
كان هذا صحيحاً خلال حملة استعمار سابقة عرفت بـ«التهافت على أفريقيا» في ثمانينيات القرن التاسع عشر، عندما كانت القوى الأوروبية تتنافس على الوصول إلى القارة. ففي 1884، اجتمعت 11 قوة أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة والامبراطورية العثمانية في برلين من أجل تقسيم حوض الكونغو، وهي منطقة تناهز مساحتها مساحة أوروبا الغربية. وكان الرهان هو الوصول إلى العاج ومصادر المطاط في غابة حوض الكونغو المطيرة. كانت تجارة العاج تحت سيطرة الزعماء العرب و«السواحليين» من ساحل شرق أفريقيا. وكان الأوروبيون يتوقون لجلب العاج إلى الساحل الأطلسي واستغلال المطاط البري الموجود في غابة الكونغو المطيرة.
وفي برلين، أعلنت القوى العظمى كل منطقة حوض الكونغو منطقة تجارة حرة، وأذنت لملك بلجيكا ليوبولد الثاني بإدارتها باعتبارها الكيان الخاص المعروف بـ«دولة الكونغو الحرة». ولم تتم استشارة أي أفارقة في ذلك.
وفي ظرف 10 سنوات فقط، أصبحت المنطقة برمتها، التي كانت مجرد نقطة بيضاء على الخرائط الأوروبية، بؤرة النشاط الاقتصادي الدولي. ووجد مستكشفون بعثتهم الحكومتان البلجيكية والفرنسية، مثل «هنري مورتون ستانلي» و«بيير سافورنيان دو برازا»، طرقاً مختصرة من الساحل الأطلسي لأفريقيا إلى حوض الكونغو، وسارعوا بتوقيع اتفاقيات تجارية حصرية مع الزعماء المحليين، مستخدمين خليطاً من الهدايا، والتهديدات، والوعود بالحماية العسكرية لإقناعهم بالتوقيع. ووفرت هذه الاتفاقيات القسرية غطاء للقوى الأوروبية لمنح الجزء الأكبر من حوض الكونغو إلى «دولة الكونغو الحرة» التابعة للملك ليوبولد، تاركة الحافة الغربية من الحوض للفرنسيين.
وعندما اتضح، في تسعينيات القرن التاسع عشر، أن العاج مورد متناقص، انضمت السلطات في دولة الكونغو الحرة إلى الشركات الخاصة في التحول إلى المطاط البري، الذي كان يستخرج من نباتات في الغابة، وأضحى سلعة مربحة لصناعات متنامية عبر العالم. وأمرت دولة الكونغو الحرة بجمع المطاط قسراً كنوع من الضرائب، مرسلة الجنود لفرضه بالقوة.
غير أنه سرعان ما تبين أن المطاط البري، وعلى غرار العاج، مورد متناقص لا يكفي لتلبية طلب التصنيع المتعطش الذي لا حدود له، لأن النباتات التي كانت تُستغل بإفراط كانت تموت. فاضطر مستخرجو المطاط للتوغل عميقاً داخل الغابة، بحثاً عن نباتات المطاط من أجل استغلالها، ما أدى إلى اشتباكات وحروب عنيفة.
وبحلول 1906، كانت أكبر شركتي امتياز للمطاط في دولة الكونغو الحرة تعانيان من تناقص الإنتاج والأرباح، فاستحوذت عليهما لاحقاً الدولة، التي خفضت الحصص المحددة إلى كمية قليلة، عندما أصبح واضحاً أن طفرة المطاط البري قد انتهت. لم تكن الأرض تستغل فحسب، ولكن الأوروبيين كانوا قد غيروا الحياة السياسية والعائلية، والاقتصادات المحلية، والعوالم الاجتماعية. وحتى بعد أن أصبحت الكونغو البلجيكية والفرنسية مستقلة في 1960، كشف الغضب المكبوت في الكونغو البلجيكية سابقاً عن نفسه، على شكل سلسلة من أعمال التمرد ضد حكومة ما بعد الحقبة الاستعمارية التي استمرت حتى نهاية القرن العشرين.
وفي ظرف ثلاثة عقود من 1877 إلى 1908، حُوِّل حوض الكونغو ونُهب وكاد يدمَّر. واليوم، يبدو أن تهافتا جديداً على موارد أفريقيا الاستوائية يلوح في الأفق. وقائمة اللاعبين هذه المرة تشمل من يسعون وراء عقود واتفاقيات تجارية حصرية بدلاً من الأراضي، ولكن الأهداف مماثلة على نحو مخيف. الدول الأفريقية التي تحتاج لأموال خارجية تواجه اليوم خطر أن تصبح مرة أخرى خاضعة للدول القوية والمصالح التجارية، بما يضر بمصلحة شعوبها طويلة المدى.
*أستاذ التاريخ والدراسات الأفريقية في جامعة يل الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»