بكل المقاييس لابد أن تكون القيادة الفلسطينية قد سعدت باللقاء الأخير, الذي تم بين محمود عباس "أبو مازن" ونظيره الأميركي جورج بوش. ذلك أن اللقاء المذكور, إنما يرمز في نهاية المطاف إلى اتخاذ خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح, إثر الرفض الطويل الأمد, الذي أبداه الرئيس بوش في التعامل مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. بيد أن مجرد التقاط الصور المشتركة للقاء ودي بين الزعيمين الفلسطيني والأميركي في حديقة الورود, لن يسهم في تبديل حياة الفلسطينيين نحو الأفضل, ولا في تقريب الشقة نحو تسوية النزاع الدموي بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. والسؤال الذي يدور بخلدي – دون أن أجد له إجابة الآن بحق- هو ما إذا كان الرئيس بوش, قد أحدث تغييراً جوهرياً في تصوره لكيفية التعامل مع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني؟ ولما كان هذا السؤال بكل هذه الجدية والأهمية, فلنقف على المعطيات المتوفرة أمامنا حتى هذه اللحظة من مستجدات تلك التصورات.
ففي الجانب السلبي من دفتر الجرد والحساب, لدينا الأربع سنوات الأولى من السياسات التي انتهجتها إدارة الرئيس بوش. فمنذ الأيام الأولى من ولايته تلك, كان الرئيس بوش قد وصف إمكانية حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بالاستحالة, مستنتجاً بناء على ذلك, أنه من الخير للولايات المتحدة ألا تنشغل به كثيراً. وكان بوش قد أشار على وجه التحديد إلى الجهود التي بذلها الرئيس السابق بيل كلينتون في سبيل التوصل إلى تسوية سلمية لذلك النزاع, وإلى الكيفية التي باءت بها كل تلك الجهود بالفشل, مسفرة عن حدوث تدهور نحو الأسوأ في الوضع برمته. كما لم يخف بوش ميله إلى الثقة بشارون, وقناعته بأنه لابد للأوضاع أن تمر بمرحلة سوء ملموس, قبل أن يطرأ عليها أي تحسن إيجابي. والذي حدث بالفعل أن الأوضاع قد ساءت حقاً وعلى كافة الأصعدة بالنسبة للفلسطينيين, سواء من الناحية المعيشية والاقتصادية, أم في النواحي الأمنية, والأمل والتطلع إلى مستقبل أفضل. أما بالنسبة للإسرائيليين, فإن الأوضاع لم تكن الأفضل على أية حال, بالنظر إلى ما عانوه من تصعيد لعمليات العنف التي استهدفت أرواحهم وحياتهم بشكل مباشر, إلى جانب ما لحق باقتصادهم من ركود وتباطؤ.
وفيما بدا, فقد كان بوش على قناعة راسخة، بأن الجزء الأعظم من المسؤولية إزاء حملات العنف الفلسطيني التي تستهدف الإسرائيليين, يعود إلى الزعيم الراحل عرفات. ولذلك السبب, فقد رفض بوش منحه أدنى درجة من درجات الثقة, ورفض التعامل معه تماماً. وتعكس هذه القناعات الخاصة, الصفة الشخصية التي أضفاها بوش على النزاع المسلح بين الجانبين, ومن ثم رفضه لأن يكون طرفاً في السعي إلى تسويته, طالما بقي عرفات في قمة هرم القيادة الفلسطينية. بل مضى بوش أكثر من ذلك خلال سنة إعادة انتخابه لولايته الثانية, في التعبير عن سياساته الموالية لشارون. وقد بلغ به المدى في تعزيز وتأكيد هذا الاتجاه, كتابة خطابه الشهير الذي ألقاه في إبريل من العام الماضي 2004, الذي أعرب فيه صراحة عن أن إسرائيل ليست مرغمة على الانسحاب إلى حدود عام 1967, كما أنها ليست مجبرة على التخلي عن مستوطناتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة, علاوة على أنها ليست ملزمة بضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين, ضمن أي ترتيبات لاحقة, تستهدف الحل السلمي للنزاع.
أما في الجانب الأكثر إيجابية من هذا الجرد, فإن علينا أن نعترف بأن بوش وعدداً من أفراد طاقم إدارته, قد صرحوا في مناسبات وأوقات مختلفة, بما يعطي الأمل في رغبتهم في فعل شيء من أجل الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. والحق يقال, فقد كان الرئيس بوش هو أول زعيم دولي يعلن صراحة أنه في الإمكان حل النزاع، عن طريق الإعلان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة. ومضى بوش أكثر من ذلك في توصيف هذه الدولة, بقوله إنه من الضرورة بمكان أن تكون قادرة على البقاء, وأن تكون لها حدود معلومة ومحددة, فضلاً عن كونها دولة ديمقراطية. بيد أن بوش لم يشر مطلقاً إلى الخريطة التي تشير إليها تلك التعليقات. كما لم يكن واضحاً ما إذا كان بوش مدركاً للبون الشاسع الذي يفصل بين تلك الآمال التي أعرب عنها, والحقائق العينية الملموسة على أرض الواقع.
وبعد, فهل صدر عن الرئيس بوش ما يفيد بتوضيح آرائه وتصوراته لما ستكون عليه تسوية الوضع النهائي, خلال لقائه الأخير بنظيره الفلسطيني محمود عباس أبومازن؟ لقد أشار بوش إلى الحاجز الذي تعمل على تشييده إسرائيل بصفته حاجزاً أمنياً، وليس حدودياً سياسياً بين الطرفين. كما قال بوش إنه لا ينبغي لإسرائيل أن تتخذ أي خطوات من شأنها فرض شروط مسبقة على مفاوضات الوضع النهائي التي سوف تجري بشأن غزة والضفة الغربية والقدس. كما أكد بوش على ضرورة الاتفاق المتبادل بين الجانبين على إجراء تعديلات على خطوط هدنة 1949 المعلنة من قبل. وعلى الرغم من أنني لا أريد أن أضخم أهمية هذه التصريحات ومغزاها, إلا أنه ليس من العدل في الوقت ذاته, القول إن تغيراً جوهرياً قد طرأ على السياسات والمواقف ال